هذا الصباح خطرت على بالي فكرة شغلتني طيلة اليوم.
كانت جدِّية كفاية لأن أقضي يومي مستلقياً على ظهري أتابع أجنحة المروحة المعلقة في سقف البيت. قبل أن أخبركم بما خطر ببالي أريد ان احكي حكاية صغيرة أولاً، عن قرد لا يأكل إلا في أوعية، لا يقفز ولا يتسلق إلا حين يُأمر، قرد يقضي معظم يومه مستلقياً على أرضية احدى أقفاص السيرك، موجهاً مؤخرته الحمراء إلى الشمس، قرد لا يعيش في الغابة، قرد للمشاهدة والاستعراض فقط. لا يعرف القرد غير تلك الحياة، لا يجد لها معناً ولا طعم، ولا يشغل هذا باله، فقد عَرف منذ الصغر أن هذا دوره، هذا مايتوجب عليه فعله. لم يتذمر، لم يحاول حتى الهرب، فهو لا يعلم أن خلف هذا القفص قرود أخرى تتسلق الأشجار لا الحبال، لكن هذا كله سيتغير، يوم أن يشاهدهم من قفصه ذاك وهو في رحلته مع السيرك عبر البرية، رأي كائنات لها نفس ملامحه، لكنها تراقبه من الخارج، لا يستطيع الاقتراب منهم اذا أراد ولكنهم يقدرون. عندها تغيّر كل شئ، نمت فكرة توحي بالرغبة في الخروج من القفص في عقلة، الرغبة في تسلق الأشجار... سأتوقف هنا، يمكنك انت اكمال الحكاية إذا أردت، كون الرمزية في الحكاية واضحة بشكل يدعو لاتهامها بالسذاجة، لا لشئ إلا لأنها تردد عبارات كالقفص والحرية وخلافة من الكلمات التي صمّت آذاننا، خصوصاً في الفترة الأخيرة، لكن في الحقيقة ليس هذا هدفي أبداً الآن، الحرية لا تعني بالضرورة وجود سلطة خارجية تستطيع سلبها منك، لا تعني بالضرورة أنك مجبور ومغلوب على أمرك. بالتأكيد هذا جزء كبير من القضية لكن ليس الأهم، ليس المهم في القصة هو القفص الذي يمنع القرد من الخروج إلى الغابة، المهم هو هل يدرك القرد انه يستطيع تسلق الأشجار؟! هل يفهم القرد أن دوره ليس إمتاع الجماهير؟! هل تدرك أنك لست بحاجة للتظاهر -أو الأسوء -التبني الأعمى لأفكار المجتمع لإرضاءه؟! هل تفهم أنه يمكنك أن تعبر بأي شكل كان عن أي شئ كان؟! هل تدرك أن حياتك ملكك وحدك ولا يحق للمجتمع تدميرها بفرض دور مسبق التجهيز، لتصبح ترساً في ماكينه تضخ نفوذاً وثروة في جيبوب الكبار؟! هل تدرك انك لست بحاجة لأن تحب أو تتظاهر بحب بلدك أو حتى والديك؟! هل تفهم انك لست مضطراً للالتحاق بالتعليم الانتظامي لتصبح متعلماً أو مثقفاً؟! هل تدرك أنك لست بحاجة للذهاب إلى صلاة الجمعة أو قداس الأحد إذا لم تكن ترغب في ذلك؟! هل تعلم أنك لست بحاجة لدفع حياتك تأشيرة دخول المجتمع؟! هل تدرك أن هناك قروداً تتسلق الأشجار أمام هذه القضبان؟! كفاناً أسئلة ولننتقل إلى الموضوع الحقيقي لهذه التدوينة...
كانت جدِّية كفاية لأن أقضي يومي مستلقياً على ظهري أتابع أجنحة المروحة المعلقة في سقف البيت. قبل أن أخبركم بما خطر ببالي أريد ان احكي حكاية صغيرة أولاً، عن قرد لا يأكل إلا في أوعية، لا يقفز ولا يتسلق إلا حين يُأمر، قرد يقضي معظم يومه مستلقياً على أرضية احدى أقفاص السيرك، موجهاً مؤخرته الحمراء إلى الشمس، قرد لا يعيش في الغابة، قرد للمشاهدة والاستعراض فقط. لا يعرف القرد غير تلك الحياة، لا يجد لها معناً ولا طعم، ولا يشغل هذا باله، فقد عَرف منذ الصغر أن هذا دوره، هذا مايتوجب عليه فعله. لم يتذمر، لم يحاول حتى الهرب، فهو لا يعلم أن خلف هذا القفص قرود أخرى تتسلق الأشجار لا الحبال، لكن هذا كله سيتغير، يوم أن يشاهدهم من قفصه ذاك وهو في رحلته مع السيرك عبر البرية، رأي كائنات لها نفس ملامحه، لكنها تراقبه من الخارج، لا يستطيع الاقتراب منهم اذا أراد ولكنهم يقدرون. عندها تغيّر كل شئ، نمت فكرة توحي بالرغبة في الخروج من القفص في عقلة، الرغبة في تسلق الأشجار... سأتوقف هنا، يمكنك انت اكمال الحكاية إذا أردت، كون الرمزية في الحكاية واضحة بشكل يدعو لاتهامها بالسذاجة، لا لشئ إلا لأنها تردد عبارات كالقفص والحرية وخلافة من الكلمات التي صمّت آذاننا، خصوصاً في الفترة الأخيرة، لكن في الحقيقة ليس هذا هدفي أبداً الآن، الحرية لا تعني بالضرورة وجود سلطة خارجية تستطيع سلبها منك، لا تعني بالضرورة أنك مجبور ومغلوب على أمرك. بالتأكيد هذا جزء كبير من القضية لكن ليس الأهم، ليس المهم في القصة هو القفص الذي يمنع القرد من الخروج إلى الغابة، المهم هو هل يدرك القرد انه يستطيع تسلق الأشجار؟! هل يفهم القرد أن دوره ليس إمتاع الجماهير؟! هل تدرك أنك لست بحاجة للتظاهر -أو الأسوء -التبني الأعمى لأفكار المجتمع لإرضاءه؟! هل تفهم أنه يمكنك أن تعبر بأي شكل كان عن أي شئ كان؟! هل تدرك أن حياتك ملكك وحدك ولا يحق للمجتمع تدميرها بفرض دور مسبق التجهيز، لتصبح ترساً في ماكينه تضخ نفوذاً وثروة في جيبوب الكبار؟! هل تدرك انك لست بحاجة لأن تحب أو تتظاهر بحب بلدك أو حتى والديك؟! هل تفهم انك لست مضطراً للالتحاق بالتعليم الانتظامي لتصبح متعلماً أو مثقفاً؟! هل تدرك أنك لست بحاجة للذهاب إلى صلاة الجمعة أو قداس الأحد إذا لم تكن ترغب في ذلك؟! هل تعلم أنك لست بحاجة لدفع حياتك تأشيرة دخول المجتمع؟! هل تدرك أن هناك قروداً تتسلق الأشجار أمام هذه القضبان؟! كفاناً أسئلة ولننتقل إلى الموضوع الحقيقي لهذه التدوينة...
(تحذير بها محتوى عاري)
الخاطرة في الحقيقة هي تساؤل مفاجئ أثاره شيء قد لا تتضح علاقته بالموضوع فوراً، فقد كنت ساعتها جالساً كالمعتاد أمام شاشة الكمبيوتر أعمل على تصميم شخصية (صورة) في لعبة الحد، لا جديد، كما جرى العرف أبحث عن مراجع لأعتمد عليها، لاحظت شيئاً اعتدت القيام به ولم أفكر فيه من قبل، كان اختياري الأول في البحث هو اللغة الانجليزية، العجيب ان الشخصية التي اعتمدت عليها مصرية أصلاً، يبدو انه في مرحلة ما تسربت إلىّ فكرة الاعتماد على المصادر الانجليزية بشكل كامل وامتلكتني. الأسباب قد تكون واضحة، مقارنة بحجم المحتوى وجديته وقابلية الاعتماد عليه، لكن ولأن التفاسير السريعة غالباُ ما تكون مخطئة، يحتاج الأمر لبعض المراجعة. الشخصية مصرية والمنطقي أن المصادر المتوفرة بالعربية عنها أكبر، ربما ليس كون الشخصية مصرية هو ما يحيرني، ربما هي فكرة المرجعية، اختياري لشخصية مصرية بطبيعة الحال يعني شقاءاً في إيجاد مراجع قد تساعدني في عملي، لست ناحتاً محترفاً ولا أحتاج إلى مراجع دقيقة مائة بالمائة لأنجز عملي، ولكن الوسواس القهري دائما يدفعني للاهتمام بتلك التفاصيل. سحبت الأفكار بعضها واحدة تلو الأخرى حتى وصلت إلى موضوع العري في ثقافتنا العربية، وكيف ارتبط دائماً في ثقافتنا -معظم الثقافات الحقيقة إلى حد ما- بمرادفات أخرى، تحديدا الجنس،. لست مهتماً بمناقشة هذا الموضوع الآن ولكن ربما يتوجب علي أن أضعه كمقدمة لمناقشة الموضوع الحقيقي لهذه التدوينة والتي قد تمتد لعدة تدوينات أخرى ربماً.
اليابان, في يابان هذا الزمن النظرة إلى العري تكاد تقارب تلك الموجودة في هذه المنطقة من الغرب -في هذه الحالة نحن غرب أيضاً بحكم النسبية-، النظرة المصاحَبَة بالخجل والخزي، المقتصرة للعري على الجانب الجنسي. ما أثار انتباهي هو ما وجدته من رواسب نظرة غريبة مختلفة تماماً فيما وصل إلينا من تلك البلاد من أعمال أدبية وفنية، ظاهرة كفاية لدفعي للتنقيب عن مصدره، جعلني أقلب الفترات التاريخة السابقة للتأثير الغربي على البلاد، بالتحديد ماقبل استعراش ميجي، إلى أن وجدت هذه اللوحة لحمام عام "مختلط" من فترة إيدو:
اليابان, في يابان هذا الزمن النظرة إلى العري تكاد تقارب تلك الموجودة في هذه المنطقة من الغرب -في هذه الحالة نحن غرب أيضاً بحكم النسبية-، النظرة المصاحَبَة بالخجل والخزي، المقتصرة للعري على الجانب الجنسي. ما أثار انتباهي هو ما وجدته من رواسب نظرة غريبة مختلفة تماماً فيما وصل إلينا من تلك البلاد من أعمال أدبية وفنية، ظاهرة كفاية لدفعي للتنقيب عن مصدره، جعلني أقلب الفترات التاريخة السابقة للتأثير الغربي على البلاد، بالتحديد ماقبل استعراش ميجي، إلى أن وجدت هذه اللوحة لحمام عام "مختلط" من فترة إيدو:
Shikido torikumi juniban 色道取組十二番 |
In the Realm of the Senses / 1976 |
وجدت هذه اللوحة على موقع المتحف البريطاني، وجدت غيرها الكثير، لم استغرب كثيراً الحقيقة، فهو لا يتنافى أبداً مع طبائع البشر، وربما أيضاً لأني استشعرت هذه الروح في فنون وآداب اليابان الحديثة كما ذكرت، ابتداءاً من سينما العصر الوردي وأعمال مخرجين كبار كـ(ناجيسا أوشيما) ورائعته In The Realm Of The Senses حتى أعمال كبار مخرجين عصرنا الحالي وأولهم مخرجي المفضل- تاكاشي ميك، هذا بالاضافة إلى الصور الأخرى من الفنون والآداب. لم يكن العري مثيراً للجدل كما هو الآن، لم يصل الخزي والعار المصاحب للعري إلى اليابان إلا مع التأثير الغربي و"إصلاحات" كانسي في منتصف القرن الثامن عشر لتنفي كل ماهو ياباني وتستبدله بالغربي أملاً في التقدم، أقرب مثال لنا لما حدث هو "إصلاحات" كمال أتاتورك في تركيا، إذاً، قد تتسائل ما الذي أحاول أن أثبته بهذا الموضوع؟! لماذا اليابان بالتحديد؟! العري موجود بكل الصور في الغرب، في الاعلانات، في الأفلام، في اللوحات الفنية، في المعارض، في بيوت الدعارة المرخصة، ما الجديد في قصتك؟! "الفجر" و"الفسوق" موجود في كل مكان، ومستشري في الغرب، كان الأجدى أن تتخذهم كمثال، هنا تكون قد فاتتك الفكرة.
ليست الفكرة في كون "الفجر والفسوق" موجود في كل مكان، الفكرة في اعتبارك العري "فجر وفسوق" قصراً وحصراً، عندما أتحدث عن نظرة المجتمع للعري أعني هنا عامة الناس لا المعارض المغلقة وزوارها، في الحقيقة ربما لم يكن يتوجب علي أن أستخدم مثالاً بعيدا هكذا كاليابان، وربما هذا يثبت نقطتي السابقة في محاولاتي الآلية الاعتماد الدائم على مراجع أجنبية، فلنحاول هذه المرة مع ثقافتنا، مع العالم العربي، فلنعود قليلاً بالزمن، قرن ونصف فقط، فلنرى كيف كان يبدو سوق الرقيق:
ليست الفكرة في كون "الفجر والفسوق" موجود في كل مكان، الفكرة في اعتبارك العري "فجر وفسوق" قصراً وحصراً، عندما أتحدث عن نظرة المجتمع للعري أعني هنا عامة الناس لا المعارض المغلقة وزوارها، في الحقيقة ربما لم يكن يتوجب علي أن أستخدم مثالاً بعيدا هكذا كاليابان، وربما هذا يثبت نقطتي السابقة في محاولاتي الآلية الاعتماد الدائم على مراجع أجنبية، فلنحاول هذه المرة مع ثقافتنا، مع العالم العربي، فلنعود قليلاً بالزمن، قرن ونصف فقط، فلنرى كيف كان يبدو سوق الرقيق:
The Slave Market / 1867 |
اللوحة للمستشرق الفرنسي جان ليون جيروم رسمها في منتصف القرن التاسع عشر، في الحقيقة لا تثبت هذه اللوحة -وغيرها الكثير- من لوحات المستشرقين أي شئ عن مدى تقبل هذا المجتمع للعري في الأماكن العامة -كالأسواق-، فهي لوحات لمستشرقين، ومعروف عنهم مدى ضيقهم من حزم الرجل الشرقي وطباعه، ربما كان العري المنتشر في لوحات المستشرقين محاوله منهم للانتقام من الرجل الشرقي بانتهاك "حرمة" ذلك الذي يخبئونه خلف تلك المشربيات وفي قاعات الحريم، ليست هذه قضيتنا الآن عموماً، إذا كانت لوحات المستشرقين قابلة للتشكيك والمناقشة فأعمال شعبية كألف ليلة وليلة مثلا لا مجال للتشكيك في مرجعيتها، فهي صنع أيدينا! صنع ثقافتنا! موضوع حديثنا الآن، هذه صورة من احدى صفحات طبعة بولاق من عام 1280هـ/1863مـ المطبوعة على نفقة سعيد علي الخصوصي وأولاده بجوار الأزهر الشريف!!
كتاب ألف ليلة وليلة - طبعة بولاق |
الملفت للانتباه هنا هو الاتجاه الغالب لتعرية النساء فقط دون الرجال، مما يُبقى النظرة الجنسية للعري الاختيار الأول لتفسير مثل هذه الصور، من الممكن اعتبارها بوادر صناعة إيروتيكية حينها بما اننا نتحدث هنا عن آداب وفنون شعبية، لكن في الحقيقة يمتد هذا الاتجاه إلى أصول أبعد من ذلك، خلال بحثي في التراث المشرقي (بحكم مشروع لعبة الحد) وجدت أن هذا الاتجاه الغالب كان موجوداً أيضاً في لوحات المنمنمات الاسلامية:
إذاً ما قد أرغب في استنتاجه من السابق هو أن حالات تصوير العري وتواجده في الأماكن العامة كانت موجودة في ثقافتنا حتى في العصور الاسلامية، ولست في حاجة طبعاً للدخول في العصور الأخرى الأقدم كالفرعونية مثلاً، وجودها لا يعني بالضرورة تقبّل المجتمع لها، أو على الأقل ظاهرياً، لكن المؤكد والواضح انه كان هناك دائما هذا الاتجاه المائل إلى تحدي العرف السائد، وإلا ماكانت وصلتنا مثل تلك الأعمال، فقد استخدمت مثال العري في هذه الحالة لأنه بحكم عقلية المجتمع الشبقة يُعتبر من أكثر المواضيع إثارة للجدل والحساسية الدينية أيضاً، ويعتبر أفضل طريقة للتعبير عن الفكرة التي شغلتني طيلة اليوم، "الثقافة المضادة". اتجاه يتحدى تقاليداً، ترسّخت في الزمان والمكان بصورة مفزعة، ليخلف لنا مثل تلك الأعمال، لا تشترط أن تكون مثيراً للجدل أو مخالفة بشكل سافر لمعتقدات مجتمع ما، لكن يكفيها كونها مختلفة وتقدم صوتا جديداً في عصور يسود فيها التبعية والرتابة الاجتماعية، أقرب مثال هو ما حدث في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث كانت أقوى ثورات الثقافة المضادة في أوروبا وأمريكا والتي بطبيعة الحال أثرت على العالم كله، أقصد هنا الحركة المصاحبة لظهور "الهيبز" -كصورة نمطية حُجِزوا فيها-، خلّفت تلك الحركة آثارها الملحوظة في كل شيء، في السياسة، في الفنون، في الحياة الاجتماعية، في التقنية والعلم، في الثقافة بشكل عام، صاحبتها ظهور مجموعات كـ Up Against the Wall Motherfuckers و Situationist International كجماعات ثورية فوضوية ساهمت بشكل كبير في الفن الطليعي Avant-garde، وظهور فرق موسيقية كالـبيتلز و بوب ديلان وما بعدها من تشعبات لموسيقى الروك وغيرها المرافق لانتشار الحشيش وحبوب الهلوسة، أيضاً ظهور مخرجين كـ(أليخاندور جوردويسكي) بأفلامه الطليعية أبرزها El Topo / 1970 و The Holy Mountain /1973, هذا بالإضافة طبعا إلى الثورة الجنسية الشهيرة.
|
ظهور هذه الحركة الثورية وتحول الثقافة المضادة إلى ثقافة سائدة -نوعاً ما- في مثالنا السابق غير وجه الكرة الأرضية إلى الأبد، لكن كفانا نظراً للآخرين ولنرى ماذا حدث عندنا؟! بالتأكيد هناك ملامح لثقافة مضادة في عالمنا العربي، خصوصاً في مصر ولبنان والمغرب العربي، وكمثال العري السابق وجدنا كيف أن آثارها موجودة في تراثنا متخفية بشكل أو بآخر، لكن في العصر الحديث اختلف الأمر، تحولت الثقافة المضادة في عالمنا العربي لتقليد أعمى لما يحدث في الغرب، محاولة للمحاكاة بلا مراعاة للفروق في تكوين وعقلية المجتمع في كلتا الحالتين (على تناقض هذه الملاحظة مع المطالبة بفعل "ثوري" للوهلة الأول، فقط أعني أن الثورات لا تُصدَّر)، أقرب مثال لما أقصده بالتقليد الأعمى هو موجة الأفلام التي ظهرت في السبعينات، لأكون أكثر تحديداً فلمي سمير خوري، سيدة الأقمار السوداء / 1971 و ذئاب لا تأكل اللحم / 1973 الفلمان محاولة تدعو للضحك لمحاكاة حركة الأفلام الطليعية التي ظهرت آن ذاك في السينيما العالمية، ولكن يبدو أنه لم يفهم من هذه الحركة غير العري والإبهام لتخرج أفلامه فارغة بلا معنى، أيضاً ظهرت الأفلام التي تقدم العري لغرض الربح التجاري لا أكثر ولا أقل وكان معظمها من لبنان، ساهمت ممثلات تلك المرحلة بشكل كبير في تلك الحركة، المثير للاهتمام هنا أن معظم ممثلي وممثلات تلك الفترة الآن إما أعلنوا "توبتهم" فيما بعد وتحجبوا أو اختفوا تماماً عن الأعين، مما يوضح مدى زيف حركة الثقافة المضادة في تلك الفترة وضعفها، لم تترك أي تأثير حقيقي على عقلية المجتمع المصري، ربما ساعد في ذلك حدوث ما يُعرف بـ"ـالصحوة الدينية" بعد أن أطلق السادات الجماعات الإسلامية على المجتمع المصري لأهداف سياسية، هنا أحب أن أربطكم بمقالة صغيرة عن السينما التي ازدهرت في تلك الفترة. "السنيما الجنسية".
ناهد شريف في فيلم ذئاب لا تأكل اللحم |
بالطبع كانت هناك مظاهر صحية لظهور الثقافة المضادة في تلك الفترة، هذه موجودة دائماً في كل مكان، ابتداءاً من كسميات نجيب سرور حتى حركة السينما الواقعية في مصر التي بدأها يوسف شاهين، هناك مساحة تكفي لاعتبار شخرات الممثلين في أفلامه أفضل رمز قد أستدل به على الثقافة المضادة في ذلك الوقت. لكن كل هذا انحسر، لا يزال يطل علينا تلامذة يوسف شاهين ببعض الأفلام بين المحاكاة والافتعال، ظهرت حركة الأفلام المستقلة والتي لاتزال بداياتها خجولة حتى الآن، نعم ظهرت فرق موسيقى مستقلة تنتج موسيقى بديلة (وان كان معظمها يقع في فخ التقليد الأعمى الفارغ الذي ذكرته مسبقاً)، شيء ما قد يبدو أنه يحدث، لكن لا يكفي بتاتاً لنطلق عليه ثقافة مضادة! فهي تفتقد التماسك، تفتقد النضوج، تفتقد الجمهور المكرس لها. كانت أقرب الصور لظهور ثقافة مضادة هو انتشار حركة التدوين في منتصف العقد الفائت، بالتأكيد وجود هؤلاء مبشر جداً، هؤلاء من ساهموا بشكل كبير في تفعيل أحداث 25 يناير، قد تستغرب لماذا أقول أحداث؟! لماذا لم أقل ثورة؟! الآن ونحن ربّما في أفضل وقت للانغماس تماماً في الأفعال والمشاعر الثورية. لا أستطيع أن أقول "ثورة"، ربما لأسباب شخصية، نظرة ما لما يحمله هذا اللفظ من ثقل وحركة عنيفة، لا يهمني التغيرات السياسية، التغير الثقافي التي أحدثته الثورة طفيف وغير ملموس، لا زلنا نصلي في الميدان ونحن نطالب بالمدنية، لازلنا خجولين ولا نمتلك الجرأة الكافية لإحداث ثورة حقيقية، الظاهرة لم تكتمل، لا يوجد تغير ثقافي ملحوظ في المجتمع المصري، الثورة تحتاج إلى ثقافة مضادة، ولا نمتلك ثقافة مضادة حقيقية حتى الآن، ما أحدثته حركة التدوين يستحق الاحترام والتقدير بكل تأكيد ولكنه خطوة في طريق طويل نحو تشكيل ثقافة حقيقية تكون قادرة علي استبدال التقاليد والرتابة الاجتماعية العفنة في مجتمعنا الحالي بثقافة ناضجة مكتملة.
ربما أستكمل الموضوع في تدوينات أخرى، تدوينة واحدة لا تكفي.
كل المقال الطويل ده علشان عاوز تمشى بلبوص :D
ردحذفتحليق خارج السرب كالعادة يا أحمد , بس عايز أعلق على نقطة فرعية إنت ذكرتها , مفيش تناقض بين المطالبة بالدولة المدنية وبين الصلاة أو القداس في الميدان, إلا بقى لو عندك تعريف مختلف للدولة المدنية .
تحياتى
هههه...الله يسامحك يا عمار, البلبصة مش موضوع التدوينة أصلا D: ده مثال بس, اتمنى تكون واضحة في التدوينة
ردحذفوأنا معنديش تعريف جديد للدولة المدنية ولا حاجة, لكن رمزية حضور طقوس دينية في "ثورة" من ضمن مبادئها/مطالبها اقصاء السلطة الدينية/إبعادها عن السياسة بيتهيقلي فيها تناقض شوية D:
احنا شعب روحاني بطبعه وحاجة زي كدة بتساعد على الحشد, لكن دي مش ثورة حقيقية للأسف, على الأقل من منظوري الشخصي المتوضع D:
كنت بهزر يا ريس :D
ردحذففاهم وجهة نظرك بس انا برده مش شايف فيها تناقض لأن مطلب الدولة المدنية مكانش من ضمن المطالب الرئيسية إنما كان نتيجة حتمية للمطلب الرئيسي اللي هو "عيش , حرية , كرامة إنسانية" .
ومتفق معاك إنها مش ثورة بس مش بسبب محدودية التغيير الثقافى , معتقدش إن فيه تغيير ثقافة هتحصل في خمس شهور.
المهم اللي إحنا مسكنا نقطة فرعية وسبنا البلبصة :D
وده سبب تاني من اسباب انها مش ثورة حقيقية, مش واضحة المعالم, أهدفها الرئيسية كلمات مجردة عجبت الناس بس لأن رنتها في ودانهم حلوة, الثورة بتحصل لما التغيير الثقافي يكتمل, واحنا لسه في أول الخطوات, اللي بيحصل دلوقتي مجرد ارهاصات.
ردحذفhttp://bit.ly/7JJSz8
ردحذفهع هع هع, مفتحتهاش على فكرة, عندي اكستنشن في جوجل كروم بتفك الروابط المختصرة وتجيب عنوان الصفحة, مش أي حد تريك روله يالا ياغرباوي.... P:
ردحذفموضوع جميل يا صقر ... انا كنت لسة بتكلم مع ناس اصحابى فى نقطة النفاق اللى بنعيشه فى المجتمع العربى ... تلاقى الناس تقعد تريل قدام اى واحده لابسة مكشوف وبعدين تلاقى نفس الشخص بيتكلم بقرف وعصبيه ويقول انه متضايق عشان البنات بقوا بيلبسوا مكشوف!!
ردحذفعلى اى حال .. شكرا على التدوينة الجميله دى يا صقر :D
مع انه ده مش موضوع التدوينة الأساسي بس متفق معاك تماما D:
ردحذفوجهه نظر..
ردحذفالثقافه المضاده شيئ ملفت للانتباه..وزي مابيقولوا الممنوع مرغوب. ومن وجهه نظري ان دا الى حول الموضوع لعري وخلاص! ان الثقافه المضاده حولت الموضوع لعري وخلاص!
ودخلت الافكار الوسخه فى الامخاخ الوسخه..