السبت، 16 يوليو 2011

الزنوبة المقلوبة

صادفتني هذه الحكاية الطريفة وأنا أتصفح كتاب "حكاية أبي القاسم البغدادي" لأبي المطهر الأزدي:

كانت زادمهر جارية بارعة الجمال, طيّبة الغناء. رآها يوماً فتى من بغداد فعشقها, وأخذ في استعطافها بالمراسلات والمكاتبات, وهي لا تعرف إلا الدنيا والدينار. وجعل يصف لها في رقاعِة عشقَه, وسهره في الليالي, وتقلّبه على حرّ المقالي, وامتناعه من الطعام والشراب, وما يشاكل هذا من الهذيان الفارغ الذي لا طائل فيه ولا نفع. فلما أعياه أمرها, وبئس من تعطّفها عليه, كتب إليها في رقعة:
وإذ قد منعتني زيارتك, فمُري بالله خيالك أن يطرُقَني ويبرد حرارة قلبي.

فقالت زادمهر لرسولته:
 ويحك, قولي لهذا الرقيع: أنا أعمل ما هو خير لك من أن يطرقك خيالي؛ أَرسل إلىّ دينارين في قرطاس حتى أجيئك أنا بنفسي!


أعجبتني جدا الوجودية الغير مقصودة في هذه الطرفة, فقد أعطى الفتى معناً سامياً -نوعاً ما- لانجذابه للجارية, وحاول التغزل لها كالعذريين, بالبلدي "كان عايش الدور", ولكن الطرف الآخر كانت واقعيته صارمة, إذا أرادها حقاً كل ما يتوجب عليه فعله هو إرسال دينارين في قرطاس, بلا تعقيد ولا مبالغة, خالفني الرأي إذا أردت ولكني أجد في هذه الحكاية القصيرة أفضل مثال لوصف دنيانا هذه, هناك هؤلاء الفتية البغدادين, الغارقين في الاصطناع وإيجاد المعاني الفارغة لدنيا عاهرة لا تكترث لمثل تلك الأشياء, أتحدث هنا عن حالة الهرب من الواقع الموجودة في الجميع بلا استثناء وان تفاوتت الدرجات.

جعلني هذا أتذكر احدى العادات الشعبية في التشاؤم من الأحذية والشباشب المقلوبة, للأسف الدنيا ليست بالعمق او الجلال الذي نتمناه ويظهر في حواديتنا, الحياة اعتيادية ورتيبة, المثير فيها من صنع الخيل, فللأسف لا توجد عفاريت شباشب, لا توجد جنيات ليل, لا توجد حكمة الشيوخ, لا توجد قدسية الأماكن, لا توجد عظمة الحكام, لا توجد التنانين ولا الفرسان الشجعان, لا توجد الحروب المقدسة والجهاد الواجب, لا توجد جنيات الأسنان, لا توجد قواعد وأصول, لا توجد شياطين تهمس لك في آذانك, لا توجد أشباح تختبئ خلف دولابك, لا توجد الأرواح الطاهرة ولا الحكماء المكشوف عنهم الحجاب, لا توجد جماعة سرية تحكم العالم منذ الخليقة, لا توجد مؤامرة عالمية ضدك أو ضد فئتك, كلها أشياء نستمتع بصنعها من الخيال.

في بعض الأحيان يجعلني هذا أتمنى أن أتقمص دور Izo حين أموت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق