السبت، 7 يناير 2012

في اللامبالاة والنوايا... واللعب

قليل من التشكيل...
أقضي أوقاتي الآن في حالة من الخمول والحذر, في نوع من البلادة الذهنية الغير مجدية, المصاحبة لحالة التوتر الموسمي لفترة الامتحانات, كل هذا على النقيض التام لواقع السنة الفائتة, بالتأكيد ستتفق معي انها سنة استثنائية, سواء كنت تعني بذلك الأحداث الكبيرة في مجملها أو كما أعني أنا بتفاصيل أفعال صغيرة منفصله, سنة غريبة فعلاً, بعيداً عن الاعتصامات والمظاهرات والكر والفر والرصاص والموت لم يتبقى إلا القليل لبعضنا ليعيش معظم التجارب التي كان يستهلكها في الكتب أو الأفلام أو الموسيقى أو الألعاب في نطاق حرارة المدفأة أو التكييف, أعتبر نفسي محظوظاً لأني عاصرت أفعال طبيعية وحقيقية جداً من قتل ودماء واصابات وقتال وغناء واستغاثة وفقدان..إلخ, قد يبدو لك كلامي هذا أنانية أو جبن, لست بحاجة للدفاع عن نفسي, لا يهمني كثيراً ما تقول, فقد رأيت اناساً تموت بين يدي وأصدقاء لم أودعهم إلى آخره مما قد يحكيه لك أياً ممن نالت منه أحداث السنة الفائتة, أذكر ان هيتشنز -والذي مات الشهر الماضي- قال في احدى لقاءاته انالفضول أول اسباب رغبته في البقاء حياً, بالإضافة للمشاركة أو التعبير أو الانتاج أو الابداع.. أو أيا كانت طريقتك في تسميتها, وعلاقتي بأي شيء حالياً لا تتعدى الفضول, كنت أقرا عن طبائع الناس والنفوس والثورات في فضول, وما حدث لم يكن أكثر من محفّز لمزيد من الفضول, ومزيد من الاشفاق والحزن, على كل العلوق والناس الطيبه, وما يبدو انه آت من شؤم ولحظات اضطهاد وجوع... لا يشغل بالي الآن إلا ما قد يتوجّب علي فعله وسط كل هذا.

والجمال...
هل صادف ان وصف لك أحدهم فعلاً أو شخصاً ما وانتابك شعور مراوغ لا يصلح وصفه مباشرةً؟ هل ستنظر حينها إلى عيني محدّثك لتتأكد من انه يبتسم نفس ابتسامتك -أو أياً كانت التعابير المفترضة التي قد تولّدها تلك الأفكار صعبه الوصف-؟... استجابةً لسؤال ناتج عن قليل من التفهّم بين طرفي محادثه! سألني أحد أصدقائي مرة ونحن في احدى المقاهي المطلّة على ترعة البلد, وقد وصلتنا خرفشات راديو المسجد المجاور معلنه عن نيتها بدأ قرآن الفجر, "طب وهتعمل إيه لو أسوأ احتملاتك وقع؟", ضحكت حينها قليلاً وقلت "في الغالب هبقى عنيف أكتر, ممكن أجيب سلاح, هبعد مرحلة, مهيكونش عندي مانع أقتل حد مثلاً", رفع صديقي حاجبيه في تعجّب, فهو يعرف جيداً كرهي لكل ما هو مؤذي, مادياً على الأقل, استدركت "ما ده الجديد بقى, حصل يعني, في آخر اشتباكات, اللي كانت في المنصورة, عند عمر أفندي والأمن جاي علينا, وانا بحاول أهرب لشارع جانبي والأهالي واقفين عالمداخل وبيطردونا برة, وقتها اكتشفت ان معنديش مانع حقيقي اني أقتل أو أأذي حد", "لا ده الأدرينالين", "بالضبط, يعني كل المطلوب أدرينالين, كل ما في الحكاية شوية كميا في الأعصاب".

والمنحنيات...
بدأت التدوينة وفي نيتي التحدث عن خطتي لهذا العام, ويبدو اني لازلت عالقاً في العام الفائت وما أحدثه بي من تغيير غير محمود, كما قلت في البداية اعتبر نفسي محظوظاً لمروري بهذه التجارب الحقيقية جداً وما يصاحبها من مآسي وأحزان فقط لأنها تُخرجني من صندوق المدّعين, بالتأكيد لن أتمكن من التحدّث بصورة غرائبية عن وساخة البشر و شرورهم, أو خوف الناس وموتهم, ضرَب بورخيس مثالاً لما قد يفعله غريب ليكتب عن الآخرين, يقول أن غياب ذِكر "الجمال" في القرآن أفضل دليل على أن القرآن عمل عربي, فقط من يحاول بقوة الانتساب للعرب سيكتب عن الجمال عمداً, فقط من هو بعيد عن الثورة والاضطراب الحقيقي لنفوس البشر سيرغب في الكتابة بشكل فنتازي او ملحمي عن تلك الافعال, لن يَسهل خداعي بعد الآن وسأتعامل مع الكل بحذر, أتمنى أن تكون هذه احدى مكتسبات الجيل الحالي, لم نعد بحاجة لكساد عظيم أو سنين حرب وانتصار حقيقية ليدرك الجميع مدى تورّطه في "عجلة الانتاج والاستقرار والنفوذ والمصالح", أو أياً كانت التسمية, ما أبقاني متفائلاً هو لا مبالاتي الفعلية بكل ما يدور.

والابتذال...
وسط هذا الازدحام من المعارف لازلت وحيداً حقاً, ومع مرور قرابه العقدين من العمر كان صديقي الحقيقي الوحيد هي امرأة عجوز ماتت وأنا في التاسعة, صارحت احد اصدقائي بالأمر ونحن في غرفته, وهو يجهّز "دبوس", أخبرته أني لن أحزن حقاً لو مات, وربما لن افتقده كثيراً, قلت "غيرك كتير", وأن شُربنا وحكاوينا الصادقة معاً لم تغيّر شيئاً, قال "متشغلش بالك, مش هتفرق معايا لما أموت", وابتسم وناولني الكوب, وابتسمت... هذه هي علاقتي دائماً بالآخرين, قليل أو كثير من التفهّم... قرأت قريباً "تويته" لأحد اصدقائي الأجانب يقول فيها أنه يقدّر ويحب أصدقاءه على الانترنت بقدر حبه لأصدقاءه في الواقع ممن يقابلهم فعلياً, ابتسمت حينها أيضاً بعد ان رد عليه آخر بأن "الصداقة مضيعه للوقت وتلهي عن العمل", ليرد عليه الآخر الأكثر رومانسيه بـ"ـأنه حينها يكون اختار الأصدقاء الخطأ", لذا فربما ستبقى الصداقات في نطاق المشترك من الاهتمامات, وهكذا, ولأن اهتماماتي متعددة وتتغير بسرعة مع الوقت, فستبقى مسافه, بقدر التفهّم المتبادل بيننا.

والرقص...
وإن كنت وحيداً, فلجوئك للفن جُبن, لا شجاعة في البقاء خيالياً لتفحصّ أو إيجاد تفاصيل وهمية بينما ينشغل من حولّك بأفعال حقيقية جداً تمكّنهم من عنقك... الفن ترف اضافي, أثبتت الأيام انه ليس ضرورياً بالمرّة, العيش ضروري, البقاء ضروري, التفهّم غير مطلوب, لا ضرورة في اختبار النفس أو قص القصص, فما حدث سيحدث مرّة أخرى ولن يهتم أحد, سيضع العلوق ايديهم في أيد الجنرالات مرة أخرى, سيتواطئ أولاد الوسخة عليك مرة أخرى, وستبقى لتحكي كما حكى غيرك, لا جديد, أُخبر الجميع دائما أن "البشر لم يتحركوا خطوة واحدة للأمام منذ أن وصلوا إلى مرحلة الهوموسابيان الحديثه منذ 200 ألف عام", وأن "التقدم العلمي بيوهمنا وبيفشخنا", ولهذا فلم أكن متأكداً ابداً مما قد ارغب في فعله وأنا على قيد الحياة, سوى الفضول, والتنفيس عن نفسي من وقت لأخر بالكتابة أو بالرسم أو بالعزف أو بصنع الألعاب, لا جديد في هذا الجانب من حياتي.

والتساؤل...
لكني لازلت متفائلاً بالعام الجديد, فقد استهللته بتخلّصي من عقدة الكمال أخيراً وتقبُّلي لإصدار أياً مما أُنتجه بشكل شخصي, كما يقول البعض: لا يوجد عمل مُكتمل, فقط مهجور. ايضاً متفائل بأياً مما قد يبدر عن نية التعاون مع صديقي أحمد منير (المعروف بالشب إيفان), مع كثير من التفهّم والاتفاق في الرغبة على فشخ شعوب الأرض بـالثقافة المضادة, مما يتفق مع نيتي المسبقة في حياة أكثر عنفاً هذه المرة, متفائل ايضاً لأنه يبدو أني وجدت التفهّم في مرحلة مبكرة من حياتي وأني لن أتعب كثيراً في البحث عمّن اشاركه تلك الأفعال والأعمال, بعيداً عن جمود البشر وهلوسات "ما بعد الحداثة" التي يفسرها كلّ كما يروق له, هناك مجموعة لا مانع عندها في الحصول على نصيب من ترف "الفن" أو التفهّم وسط الطحن والهرس, ولم يبقى لي من عمل بين كل هؤلاء سوى التخيّل والتفهّم والمشاركة ايضاً.

وعدم الاكتراث...
مشكلة الكثير من المترفين تكمن في الوقت الذي قد يحتاجه لاستهلاك كل الكتب والأفلام والموسيقى وربما الألعاب التي يريدها, لكن وكما يبدو فمشكلتي الحالية أصبحت في الوقت الذي قد أحتاجه لإنتاج أيّا من هذه الأشياء التي أريد, دون أدنى علم مسبق في ظل توجهاتي المتغيرة دائما مع المزاج, فـ"ـالفن" على أقل تقدير مداعبة ثقيلة للنفس, إن لم يكن إرهاباً لها, هذا إن أردت أن تشارك ما تفعله مع الناس, بعيداً طبعاً عمّن يحاولون البحث عن "التقدير" و"الاعتراف", أيا كان الوسط المستهدف, ما أحاول تقريره في نفسي اليوم والهدف الحقيقي من كتابتي للتدوينة هو ربما تحديد اتجاهي خلال هذه السنة, هل المطلوب هو الحصول على تقدير واعتراف الناس؟ هل المطلوب هو الحصول على تمويل وتأسيس كيان أو شركة ربما نأمن بها من غدر الزمن؟ هل المطلوب الاطاحة بكل هذا والبقاء صادقاً مع النفس؟ أميل للاختيار الأخير, مع العلم أن الأمور ليست ببساطة هذه الخيارات أحادية اللون, فبالتأكيد لن أستطيع التخلّص من رغبتي في الحصول على تقدير الناس, لطالما أثار حال كافكا خوفي وشفقتي, وبالتأكيد لن أستطيع التخلص من رغبتي في البقاء في حد أدنى من الأمان المادي, فكما قلت مسبقاً, الفن ترف, ومع ذلك سيبقى القرار في يد من قد اشاركهم هذه الأعمال.

والأهم... اللعب
على أي حال, لا توجد في انفسناً حقيقة, ما قد تظن أنه مؤكداً من مظاهر حب أو بغض أو ارتباط أو حتّى تفهّم ليست مضمونه مائة بالمائة, "كلها كميا في الأعصاب", ولا مفر من المعاناة طالما رفضت الانضمام للقطيع والكف عن التساؤل, و في هذه الحالة كل ما هو مطلوب هو قليل من الرغبة في ازعاج الآخرين بأفعالك, الازعاج نوع من المشاركة ايضاً, لسنا بحاجة لمزيد من الفنون الجماهيرية سريعة الهضم والتغوّط أيضاً, قراري لهذا العام يجب أن يكون بنفس القدر من عنف النيّة, على امل تحريك المياه الراكدة, ما قد ارغب في البقاء على قيد الحياة لأجله لن يتعدى محاولة إزعاج البشر, كل البشر, كنوع من رد الدين!

هناك 3 تعليقات:

  1. 5ltny afakr fi 7agat fkrt enny nsetha

    ردحذف
  2. 5ltny afkr fi 7agat fkrt enha matt

    ردحذف
  3. "ولا مفر من المعاناة طالما رفضت الانضمام للقطيع والكف عن التساؤل"
    "محاولة إزعاج البشر, كل البشر, كنوع من رد الدين!"
    الجملتين دول كيفونى بزيادة :)

    ردحذف