الأحد، 20 نوفمبر 2011

العلوق

الأهم الوجه
فكّرت في هؤلاء بلا داعي, وسألت مداعباً الصغير القابع في رأسي عن ما يتحدث عنه من لا يحدث في حياتهم شيء إذا اجتمعوا, بالطبع لم تتطلب الإجابة الكثير من التفكير, فهم حولنا في كل مكان, لو قدر لك أن تراهم أو الأسوأ -والمؤكد- أن تحادثهم أو تتعامل معهم فلا تتسامح, لا تبتسم.
اعتدت أن أطيل النظر بصمت ربما مع ابتسامة تجاهل, كنت أسمعهم يتحدثون في الدين, في السياسة, في الاقتصاد, في فضائح المشاهير, في كرة القدم. سيتقاذفون الأسماء في مشهد كوميدي, سيتعاملون مع الألفاظ بحرفية تامة وبتقديس غير مفهوم - حتّى لهم, بعضهم سيتّخذ مواقف معينة فقط من أجل لفت الانتباه, أو تأكيد ذاته الفارغة, سيحادثونك كثيراً, وستبتسم, وستكون الكلمات الختامية معاكسة تماماً لما خاطبك به حين لاحظك على الطرف الأخر من الطاولة, فقط طالما هناك مكان لرمي بعض الكلمات.
أصوات بلا جدوى, يشابه في أذني صوت أحد أقراننا من الحيوانات الأخرى, بالتأكيد هي أصوات تلك التي يصدرونها, لكنها لا تختلف كثيراً عن صوت عراك القطط في الخرابة المقابلة للقهوة التي قد نكون جالسين فيها, بعضهم سيطلق شعر ذقنه ليعظك ويحدثك عن الآخرة والجنة والحور العين الذين ستتمكن من فعل ما تشاء معهم بلا ملامة, سيجري ريقه حين يحدثك عن هذا النعيم وكأنها أقصى أحلامه القاصرة, سيتطاير هذا الريق عليك فيما بعد على شكل رذاذ حين تبتسم له وانت تفتح احدى كانات بيرة هاينكين, سيعظك, سيعظك ويهددك بسم الله, قد يتركك غاضباً, وحينها ستنعم ببعض الهدوء, لكن حينها سيأتي الآخرون, بعضهم سيطلق شعر رأسه, سيحدّثك عن الحياة وكيف أننا نعيش في بلد بنت وسخة, وسيبصق على الأرض مرتين قبل أن يُدخل مبسم الشيشة في فمه كقطعة اكسسوار جديدة تضاف إلى المهرجان الذي أحاط به نفسه, نفس أو نفسين لينهال عليك بعدها سيل من الأسماء والاصطلاحات, سيحادثك بلغة غرائبية وابتذال مطلق, ستبتسم له أيضاً, أو ربما تبادله بعض الحديث اذا سمح, وسيغادر, حينها ستجلس وحيداً بلا أدنى رغبة في فعل أي شيء.
يتقاتل العلوق وقدر آخر أقل علوقيه الآن, وأُناس تهتم, مات من مات وفقد آخرون أعينهم, يتوسط كل هؤلاء الزياط والهرولة, تحوّلت لحرب حقيقية, العلوق يحاصرونهم في كل مكان, وهناك آخرون, لا يهتمون, وآخرون ينتقمون فقط, هؤلاء لا يفكّرون في نتيجة, سيستغرقون أقل من ثانيتين للتفكير في الأمر, كما أفعل أنا حين يتوجّب علي التعامل مع العلوق, هم موجودون, وعليك التصرّف, عليك التعامل معهم, كنت أبتسم بلا مبالاة وأصمت إلى أن ينتهوا من خرائهم, لكن الأمور تغيّرت, أصبحت حرب, وهناك من يموت, لسبب ما, لسبب يستهويك, تنتابني الرغبة في فعل أي شيء, هذه المرة فقط, لا لهدف ما, حتى الدوافع هنا لا أهمية لها, فقد أخبرتك أني اكره الألفاظ المقدسة, ومعها الأهداف السامية, لا أصنّف الأمور بخيرها وشرها, لكن هذه المرة أستطيع أن أرى العلوق يتصرفون, ولا جديد في الأمر, إلا انها, كما أخبرتكم, أصبحت حرب, ربما كانت حرباً منذ بدأ الخليقة, لكني لم أهتم, اختلفت الأمور الآن لسبب أو لآخر, لا تتسامح, لا تبتسم, لا تهتم أيضاً لكن تصرّف, إذا تفاديت الجميع ستجد نفسك في ممر ضيّق, سيزداد ضيقا طالماً تكوّمت وابتسمت, إذا قررت إكمال السير هكذا فستنحشر عاجلاً أن آجلاً, قد لا يُجدي مد الأذرع, فالعلوق كثيرون ولهم الغلبة كما يحكي لنا التاريخ, أتدري؟ لا يهم أيّا من هذا, كل ما يهم أني أريد أن أُكمل لبعض الوقت, من المؤكد أن هناك ما يستحق الإكمال, ولكن لا مانع من بعض الانتقام, فهناك العلوق, هم موجودون, وعليك التصرّف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق