السبت، 20 سبتمبر 2014

شاركت في ماراثون كتابة الأسبوع الفائت.

لم أعد أملك دافعاً لفعل أي شيء، أو أني أسفل حجر ولم أكتب أي جديد منذ مارس الفائت، لذا سأتخّذ مما كتبته هناك فرصة لتحديث المدونة على الأقل:

1- نصوص تبعاً لألعاب كتابية كان يعلنها عبرؤف منظّم الماراثون:

ماذا لو كان المسيح يرتدي حذاءً من الفيلّن، فلّين كافي للطفو، لطفوه، أو انه كان أخرقاً وانه انقلب وقت استعراضه لقدراته التي منحها له أبوه، رأساً على عقب في الماء، مغمورا فيه ولا يظهر منه غير سر قداسته، حذاء فلين يراه الأتباع: المسيح كحذاء من الفلّين، يسير هو غير مباليٍ.
يخبر الجميع أنه من الأفضل ادخار زجاجة المياه بعد أن ألقاهم فرادى كلّ في صحراءه الخاصه، حينها أدركت كيف أن المسيح "حطّ علي بشياكة"، "أرض أبوه بقى"، التعاليم تقول: اشرب من الزجاجة بحذر.
مثلاً: "ازازة ميّة بركة لو سمحت" تقول للبائعة الجالسة بأريحية في كشكها الخاص، تُدخِلك الكشك لتشرب قدر ما استطعت، مدة أيام تبدو أطول من السنين: كاقتناع أن السنين مرّت سريعاً قبل أن تتأفف من طول اليوم. هذا إلى أن تخرج مللاً، حينها يرفسك المسيح بحذاءه الفلّين إلى الصحراء، ومعك "بركة"، المنطق يخبرك أن كل زملاءك في مسيرة الصحراء هذه سيحاولون إبقاء الزجاجة أكبر قدر ممكن، أن يشربوها حتّى.
لكن ولأن المسيح "حط علي بشياكة" ابتلاني بتاريخ كان كافياً لتربية صداع نصفي وعدة سكتات دماغية، متفاوته التأثير ما بين إفقادي الإحساس بنصفي الشمال أو القدرة على النطق، أو وسواس قهري وأفكار تطفلية تكفيك للبقاء في عيادة جرّاح صديق بعد أن استأصل جزءاً آخر من أمعاء كانت أطول قليلاً في مثل هذا الشهر من السنة الفائتة، أو أن تكتب جملاً بهذا الطول، جرّاء تسمم.
جلست وسكبت الزجاجة على الرمل أملا في بناء قلعة، لكن ولأنها صحراء، تبخرت المياه أو تسرّبت بين الرمل.

---

سبحان من كوّن السماء، مثلاً، سرت يوماً في شارع ضيّق، أقرب منه إلى أثر طابور مات من فيه وبقوا فراغاً، أمامي اثنان، أو خلفي، نرتّب أنفسنا وفقاً لمقدار ضيق احدانا بالباقي.
بدأ الأمر كالآتي: أربعٌ وخمسون شيئاً أخبرني سبحانه ان لا قدرة لي على استيعاب ماهيتهم، فقط أنهم خمسٌ وأربعون، وأنه أودع نسخة من الرقم في ذهني فقط لأن ذاكرته بدأت تضعف بعد آخر مطر أسقطه، أو نطر أسقطه، كان الإرسالٌ ضعيفا حينها فلم أتأكد أبداً أيا كان يقصد. هكذا أخبرني في التليفون، اكتشفت انه حاول الاتصال بي سابقاً أربعاً وخمسين مرّة، لأني لا أرد على الأرقام الغريبة، أربعٌ وخمسون ميسد كال، أو انه اضطر لاستخدام ما تبقى من قواه الإلهية لسرقة رقم امي. المهم، أنا الآن أسير لا أكاد أذكر أو أفكّر في شيء إلا وألحقت به أربعٌ وخمسون، خمسٌ وأربعون انعطافه أودت بي إلى هذا الشارع الضيق حيث أؤدي وظيفتي الاجتماعية بكفاءة لأول مرة. سبحان من كوّن السماء.

---

ركض ماساشي تاشيرو حتّى الآن ما يقارب المائة متر، وخلفه شخص آخر يلتف بفوطة حمام مبتلّه. أربعون خطوة إلى أن يلحق به ويمسكه. لكن ولحسن الحظ، حظ تاشيرو، كانت هذه المسافة كافيه ليستبدل الآخر رغبته في تطليع دين تاشيرو بفضول قاتل، كفرصة تسمح له بأن يكون هو محور الحديث مع شخص آخر، أو، لو أردنا تمثيلها بمنحنى لأفكاره يمكننا تسمية النقاط على الخط بالتسلسل الآتي، "أحا؟"، "تعالى يا ابن الوسخة"، "ده أنا هطلّع دين أمك"، "شكله كبير ده"، "ف الأربعينات مثلا"، "كان عاوز إيه ده؟"، "خول؟"، "اشمعنى أنا؟"، "خد هنا"، هنا يلحق به، "اشمعنى أنا ها؟"

---

"اكتب مستقبلك"، كتبها كتذكير في محموله قبل أن ينام، ونام. آملاً في أن غداً به من الوقت ما يكفي للتخلص من قلقه، من الكليّة والامتحانات والمستقبل وتجنيد قادم ليأكل المزيد من عمره. اعتاد أن يخبر أصدقاءه (أو رفاق الخروجات) انه قد حدد آخر سنة في عمره، «أربعة وعشرين!».
لا يزال حتّى الآن ينتابه الشك في صدق هذه النيّة، أو إن كانت مجرّد بقايا رغبه ما، لم يعترف بها بينه وبين نفسه، في أن يكون له صفحة على الويكيبيديا: أن يكون لك صفحة على الويكيبيديا بها تاريخ الموت مشيراً إلى الرابعة والعشرين، مصدر راحة طبعاً، لكن لسوء الحظ يتوجب عليه الموت لتحقيقها.

غداً مر وها هو الآن في منتصف الليلة بعد أن أضاعها بالكامل في أمور يصعب عليه تذكّرها فوراً، يستمع إلى أحدهم يغنّي مشتكياً من صعوبة أن تكون إله نفسك. وقلقٌ من أن غداً لن يكون كافياً بالمرّة لكل ما يتوجّب عليه فعله قبل موسم الامتحانات.
بادر أحد الغرباء في مراسلته قبل أن يبدأ في كتابة مستقبله، ولأنه الآن على بعد شهرين من قراره الأول بالاختفاء تدريجياً من الانترنت وربمّا العالم إذا سمح الوقت، كان عليه أن يمسح رده ويعيد كتابته أكثر من مره قبل أن يرسله للغريب، حريصاُ على عدم إخراج أي تفاصيل، لا يريد أن يترك آثاراً دون قصد، كم يود ان ينسحب تماماً من رؤوس كل من يعرفوه، أن يمسح أثره بالكامل.

حاول كتابة مستقبله أوّل مرة، بدأ بما سبق ووجد نفسه يلتقي به على الشاشة ويقف حين وقف المؤشَر، يومض ويومض، قرأ ما كتبه ووجد أن انعزاله لم يجديه نفعاً في التخلّص من الآخر، لاحظ أنه وجّه له الكلام مباشرةً أحياناً حتّى.

------

2- نجوي مشروع لعبة (فيديو) أحاول انجازه منذ فترة، وكان الماثرون فرصة لكتابة بعض الأجزاء من المعالجة:

بدأت ظاهرة نجوى مانحة حرية الإرادة منذ مدة ليست ببعيدة بين مرتادي قهوة حمّالة الحطب. كانت امرأة أبو جهل على علاقة وطيدة بنجوى فؤاد لسبب ما لا يعلمه إلا الله، تقول الإشاعة أن نجوى كانت تشتكي لامرأة أبي لهب من صعوبة المعيشة الآن وان "الرقص معادش جايب همّه"، طالبةً نصيحتها كامرأة أخرى مغضوب عليها وصامدة رغم ذلك، أخبرتها حمّالة الحطب بثقة العارفين "بصي يا نجوي، المسد اللي في جيدي ده بيوكلني دهب، دوّري على مسدك اللي في جيدك".
حمّالة الحطب كانت قد افتتحت قهوة تقدّم شيشة من نوع خاص، موظِّفة بذلك قدراتها الخاصة، حيث استبدلت الفحم كولعة بمسد جيدها الذي لا ينتهي. أخذ الاثنان يفكران بإخلاص فيما يميّز نجوى عن غيرها من المغضوب عليهم.
الرقص، معروف طبعاً أن الرقص يمنح جمهوره حرية إرادة، حاولت الحكومة اغلاق الكباريهات أكثر من مرة، ولكن ولأن الحكومة كبقية الأشياء في هذا العالم، مسيّرة، فلم يحدث ذلك حتّى الآن. هكذا تبادل روّاد القهوة قصّة صعود نجوى كحامي المدينة الجديد، وأصبح همّهم الشاغل تدريجيا هو توفير ما يكفي من المال لتدبير عزومة عشاء لنجوى، حيث أن نجوي لا ترقص دون عشاء، أو ان حرية الإرادة لا تُمنح على معدة فاضية، "عشان متتعبش" كما تقول أحد البوسترات المعلّقة على باب المقهى. أصبح الإقبال زائداً على حرية الإرادة إلى ان فتحت نجوى إمكانية ارسال العشاء لها ديليفري، أنا ترسل لها عشاءَ وترسل لك رقصة، كانت المشكلة الوحيدة أن حرية الإرادة لا تنتقل رقمياً، لذا عليك شراء مشغّل شرائط VHS قبل المبادرة بالطلب.

---

يجلس منفرداً على كرسيه الخشبي الوحيد في البيت، تليفونه المحمول ملقى أمامه على السرير، يمعن النظر فيه، في خط اللمعان الخفيف على حافته. يحاول تمرير الوقت بحصر العوامل، التي تسببت في وجود اللمعان بهذا الشكل بالذات؛ الخامة؛ زاوية الإضاءة؛ وضع المحمول؛ مكانه هو في هذه اللحظة. قضى مده كافيه للراحة قبل البدء في تنفيذ القرار الذي اتخذه صبيحة هذا اليوم. أولاً: العالم مسيّر، فيزياء، حقيقة. نوعاً ما. وفي يده الآن منشور وجده أمام الباب يدّعى أن نجوى فؤاد بإمكانها منحك قدر كافي من حرية الإرادة لتحديد مصيرك في اللحظات الحرجة. فقط عليك أن تدعوها للعشاء في أحد المطاعم. هامش: وإن كنت انطوائيا لا بأس، لا تزال أمامك الفرصة، "اطلبلها ديليفري".
التقط المحمول عازما أن يطلب لها كيلو برجر، فموقفه صعب: "ألو"، قالها بنبرة استدل بها العامل في المطعم انه شخص مسيّر، أو أنه مسيّر جداً لدرجة ان الـ"ألو" خاصته كانت كما يقول الكتاب، وليختصر على نفسه الوقت، "عاوز أوردر لنجوي؟"، "آه لو سمحت برجر واحد كيلو"، "حاضر يا أفندم، سيب رسالة صوتيه بعد سماع الصفارة"، "بيب"، "... أستاذة نجوي، انا وقعت ف واحدة عندها بلوج على tumblr وبتحب Tao Lin، ومش عارف أعمل إيه، نجوي، بتقرا alt-lit وعندها existential crisis  يا نجوى، طلّعيني منها سليم"، كان يقولها بصوت درامي لم يتوقّع أبداً أن يصدر عنه، ظهرت فكرة كالفقّاعة في رأسه توحي بندمه على عدم تسجيل المكالمة الفائتة، أغلق المحمول وأخرج البطارية، وصعد واقفاً على الكرسي محاولاً لمس سقف الغرفة، قفزة بعد أخرى الى ان انتهى بالسقوط على الأرض، مستلقياً، مبتسماً.

---

كان قد عرف "الجالس منفرداً على كرسي من خشب" (أو فلنسميه اختصاراً "حمع كم خاء") أنه سيحتاج إلى نجوى مرّة أخرى يوماً ما، وعلّه قريب.
كان جالساً، كالعادة، منفرداً على كرسي من خشب في قهوة حمّالة الحطب، ينتظر صديقه "المتأخّر بطبعه" (أو فلنسميه اختصاراً مَبَط). يمارس رياضته المفضلة في تخيّل غرفته الآن بعد أن وضع فيها مربّع الجرانيت، "جمع كم خاء" مصاب بالوساس القهري، وكان متوسّط عدد ساعات نومه في الأسبوع ساعتين لكل يوم، يظل مستيقظاً إلى أن ينام، قد يدوم هذا الخمس أيام، ثم يغيب عن الوعي بمساعدة فوطة يضعها على عينيه. يتذكر الآن موقع مربع الجرانيت واتصاله الغامض بنسمة هواء عالقة في اذنه اليمنى، تتخللها ذبذبات أذان قادمة من المسجد المجاور؛  يفصل بينهما طريقٌ يتنفّس ترابه وتملئه أصوات عربات الكارّو والنص نقل، موزّع على امتداده عشوائياً روث حيوانات (وربما بشر) بمختلف الروائح، كان قد اكتسب "جمع كُم خاء" مهارة التميز بين الحيوانات تبعاً لرائحة روثها، الآن يستند على مقعده الخشبي بمساعدة راحة امتزاج ذاكرة تموضع مربع الجرانيت في غرفته بعد أن ضبطت له أبعاد الغرفة، وقدرته على تمييز روث حمار طازجة  تحملها نفس نسمة الهواء الحاوية لذبذبات الآذان: ربما لهذا السبب اختارت امرأة أبو لهب هذا الموقع بالتحديد، خُيّلَت له امرأة لهب كأمٌ حنون مُرضَعة وأخذ يمصص شفاهه بين كل شدّة مَسَد، قضت نجوى له حاجته، وأراحته ام لهب، أحبب صراط الضالين بروثه. الصراط الذي يعطيه فرصة سماع خطوات مَبَط الذي أتى أخيراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق