الجمعة، 27 يوليو 2012

الوقت كأداة قياس -1-


أعِد لي طُرُقي

لم أتأقلم أبداً مع فكرة كوني موجوداً بالفعل, تتقافز الفكرة في رأسي من حين لآخر وكأنها اكتشاف جديد, ربما رأيت انعكاساً أو ظلاً من المُفترض انه لي, أفكّر ودون ابداء أي انفعالات -أحا أنا موجود-, حين ألحظ انّي اتنفس وأنّي معرَّض كالباقين لقوانين الفيزياء والطبيعة, أتحدّث فيُجيبني أحدهم, أو لا يُجيب.

 سؤال, لماذا يبدو وجود الآخرين أسهل تقبّلاً من وجودي؟

أعود لتفضيل الوحدة بعد أي تفاعل مع الموجودات الأخري, بالتأكيد الوحدة أفضل من احاطة نفسك بحاويات معدة ورئة وأدمغة وأعضاء اخرى لزجة, ما الاختلاف بين ثانية كنت فيها مجموعة من الكاربونات والجزيئات الموزّعة بعشوائية في أنحاء المجرّة, وبين هذه الثانية التي أجلس فيها أمام النيل نص عار, أفرك القميص من أملاح عرق اليوم السابق, الحقيقة هي -ولأنه لا جديد- أنّي قديم قِدَم الزمن.

8 سنوات (03:37:01 مساءاً, الأحد, أكتوبر, 2000)

كائن بشري طبيعي جداً, خالي من العيوب الخلقية –على حد علمه-, نحيل, في صحة جيدة, مع شعر يبدو انه كان –وحتى وقت قريب- ناعماً, طبقة من التراب تغطّي "حسنة" بنّية اللون على جانب قدمه اليمنى -يَظن أنها ظِل قطرة على وشك السقوط, أو ربما دائرة أرادت احدى نقاطها الهروب وفشلت-, جالسٌ أسفل حافة ترعة, تميل الكتلة الترابية المكوِّنة لها بسهولة تسمح له بالجلوس بأريحية مستنداً إلى كوعه, يرتدي "شبشب أبو صباع" أزرق ومرسوم عليه بَطريق –أو هكذا يظن-, نصف كعب قدمه اليسرى في الماء وقد صنع موجات دائرية تتدرج في قطرها وشدتها, نسمة هواء عالقة في اذنه اليمنى تتخللها ذبذبات أذان قادمة من المسجد خلفه؛ يفصل بينهما طريق ترابي يتسع لعربات "الكارّو" والشيفروليه النص نقل, موزَّع على امتداده –عشوائياً- روَث بمختلف الأشكال والألوان والروائح, نسمة الهواء نفسها التي تحمل ذبذبات الأذان تحمل أيضاً رائحة روث حمار طازجة قريبة, يرتدي قميص أزرق "نصف كم" عليه رسمة لحيوان "مُأَنْسَن" يستحم في بانيو ويدعك ظهره بفرشاة, وبنطالون قماشي أبيض بخطوط عرضية سوداء, مع نسيج متهتك عند "صابونة الرجل".

خطوط ومستطيلات خضراء تتخللها بعض الزُرقة ونقاط أكثر غُمقة, مستطيل بتدرجات بنّية ترابية, مساحة صفراء مُختلطة بحمرة شمس فترة العصر, ألوانٌ متعددة مطبوعٌ أثرها على غشاء العين.

صوت بشري ممتد, صوت خطوات مختلطة وعلى مسافات متباعدة لأطفال يلعبون وعجوز يقترب ببطيء, صوت طنّان منتظم مصدره الرأس.

12 سنة (11:53:01 مساءاً, الجمعة, أكتوبر, 2004)

كائن بشري طبيعي -من الممكن اعتباره طبيعياً جداً بإضافة نظّارة طبّية-, لا يزال نحيلاً, يرتدى جلباباً أبيضاً واسعاً, أكمامه تغطّي يده بالكامل –إن فُرِدَت-, شعر قصير غير مهيّأ بالمرة لتمرير اليد عليه, عالق به قطرات من ماء الوضوء, آثار قدمه المبللة هو وغيره من المصلّين على سجّاد المسجد الخضراء, جالسٌ في نهايته بجوار الرفوف المخصصة للنعال والأحذية, وحوله مجموعة من الأصدقاء كان يلعب معهم "شلَّح*" منذ عشر دقائق, يحيطه هواءٌ راكد اختلطت فيه انفاس المصلّين وهمهماتهم وصوت الخطيب الزاعق, على بعد حوالي ثلاث شوارع من المسجد يوجد بيتٌ مكوّنٌ من طابقين, في احدى غُرف الطابق الثاني مكتبٌ صغيرٌ يبدو نظيفاً ومرتّباً بدقّة تكاد تكون مَرَضيَّة, الكتب موضوعة بمحاذاة حافة المكتب تماماً, كتب مكتبة الأسرة, الأدب العالمي للناشئين, اللؤلؤة, كيبس, روبرت أوف هنترو, الارض الطيبة, توم سوير, كل الأدراج مغلقة, بعناية, بها مجلّات معيّنة, علاء الدين –حروب بلا أمل, كومانشي في مغامرة جديدة-, عالم الكمبيوتر –الجديد في برنامج 3D Max 7.0, أفكار برمجية متنوعة مع Visual Basic 6.0-, وفي احدى صفحات مجلّة بلبل "انظر يا نونو... عمتو سنية ستريك كيف يكون نط الحبل...".

خطوط ومستطيلات خضراء متعامدة مع مستطيلات اخرى أكثر زُرقة, خطوط بنّية رفيعة متدلية, تكتلات من الأبيض وألوان أخرى, ألوانٌ متعددة مطبوعٌ أثرها على غشاء العين.

أصوات بشرية مختلطة احداها زاعق, صوت طنّان منتظم مصدره الرأس. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق