الخميس، 31 مايو 2012

ستجد نفسك في النهاية, خارجاً من كس-أمك

يَنظُر زميلنا الانسان المعاصر الآن باهتمام شديد إلى لوحة متوسطة الحجم, يُتابع أو يحاول متابعة أشياء ما من خلالها, لا نعرف بالتحديد ماهية تلك الأشياء, قد تكون أي شيء, مع الوضع في الاعتبار ان وظائف العين محدودة ومعروفه, لا مشقة في ذلك.
يصدر عن اللوحة وهج يتفاوت في درجات اللون والتشبّع واللمعان, طبعاً توجد أنماط معينه أيضاً لتلك الألوان, تظل اللوحة باهتة وسوداء في أوقات الراحة والنوم, يجد صديقنا معناً لكل هذا, يستطيع التحاور معها أيضاً -بل ويمتلك أحلام لا يستطيع تحقيقها دونها-, اعتاد صديقنا قبل فترة أن يفكر في أشياء قد تبدو مهمة وعميقة كالحياة وماهية الأشياء وحقيقة وجوده ومغزاه وما إلى ذلك من امور, لكنه نسى الآن -أو تجاهَل اختيارياً- اهمية ما قد تنتج عنه تلك المحاولات, أخبرته الألواح ان الأمور قد تبدو أكثر تعقيداً مما يظن, -فات الميعاد-, كل ما سيفكر فيه تم تجهيزه مسبقاً, في قوالب وبجميع الأشكال والألوان ومناسب لكل الأعمار والجنسيات والتوجهات الجنسية والروحانية والمهلبية, ويمكنك يا صديقي المعاصر ان تقرر بنفسك, فكّر قليلاً, ثم تساءل, ثم توقّف حينها واسأل الألواح.. تادااا, حلول بالمجّان,- ما تشعر به الآن اسمه كذا-, -هذا جميل-, -هذا قبيح-, -شكلك بتحب-, -عيب كدة-, -فين الاحترام؟-, يمكنك الآن الحصول على كل المعلومات المطلوبة لفهم أي تجربة أو نشاط قد يحدث ولا تستطيع القيام به بنفسك, ستقوم انت أيضاً بمشاركة تجاربك القليلة, مع قليل من الاستعراض والبهلوانية, اسمك موجود هنا أو هناك, سيصبح لزميلنا المعاصر قيمة أخيراً! لا حاجة لمحاولة فهم ما يدور في عقله, فأصدقاءه ومتابعيه (قليلين كانوا أو كثيرين) لن يتحملوا تكاليف الوقت والتعب المطلوب لفهم هذه الأمور التي -في الواقع- لا تخصّهم, فقط فلنهتم بالمُشترك بين تلك الكائنات اللطيفة, أصدقاءنا. 


حسناً, لقد كذبت, لا يظن صديقنا المعاصر اننا أصدقاءه, فقط زملاءه في الانسانية, والمعاصرة, نشاركه -على انفراد- نفس المأساة,  لكنه -على أي حال- وكما في معظم الأوقات يَنظر إليها أو خلالها باهتمام, اهتمام شديد, على ما يبدو فقد قرر صديقنا الانسان المعاصر, في فترة ما من عمره, انه من المناسب جداً أن يقضي معظم الأوقات أمام اللوحة, فلا ينتظره بعيداً عنها إلا العذاب والمعاناة, التحق زميلنا -في المواطنة والمعاصرة وأخيراً الانسانية-, بإحدى المؤسسات/الكيانات/التجمعات, يتطلّب مثل هذا الفعل كثير من التنازل, عليك أولاً التسامح مع حقيقة انك ستضيّع نسبة مهولة من الوقت المحدد لحياتك على هذا الكوكب -والتي قدد تتراوح بين الستين والثمانين-, في التظاهر والمحاكاة, والكذب والقيام بأعمال روتينية وظيفتها الوحيدة هي التهام ما تبقى من روحك, هذا بالإضافة للقلق والاكتئاب المصاحب "للمسؤولية" أو أياً كانت الحجة المطلوبة لربطك على العامود, يتساءل زميلنا المعاصر عن حقيقة أيّاً مما يفعله الآن بعد أن وضع مؤشّر الفأرة على نهاية طرف شريط التحميل, كان يريد التأكد من ان التحميل مستمر وان هناك تقدم حقيقي يحدث, ما فائدة تخزين المعرفة, غير الحذلقة والاستعراض طبعاً؟ قليل من الذكاء قد يظهر, أجزاء عديدة من الجسم تحتاج الى تمرين, وتليّن, وربما بعض المهارات, -شوف, شوف أنا بعمل إيه؟ اتفرّج عليا, يالله, أنا جامد, أنا جامد فشخ-.

حسناً حسناً, زميلنا لديه الأعذار الكافية, لم يُوجد في الحياة وحيداً, قد يكون هناك أُم أو أب أو كلاهما معاً, زملاء آخرين في الانسانية والمعاصرة, تتكون المنظومة من الآتي, تبدأ المصيبة بحلم طفولي بسيط, هناك أُم اعتادت ان تلعب بالعرائس وهي طفلة, تحركها بشكل ما وتتحدث باسمها, سيبقى الحلم, وستكبر, وستكتشف تلك الكائنات المرعبة, انها تستطيع خلق كائنات اخرى بداخلها, ويحدث ما يحدث, أيضاً هناك الأب, في ظروف قد تكون أكثر تعقيداً ولأسباب مختلفة سيرغب الأب في الحصول على أبناء, ربما كان فاشلاً, أو من عائلة محترمة ذات مركز, ربما كان ناجحاً وله أملاك, تعددت الأسباب, لكن في النهاية يا عزيزي؛ ستكون انت اللعبة وموضوع السهرة, على الأقل إلى حين, ستجد نفسك الآن في موقف ما, الامتحان غداً, القسط الأخير من الشقة بعد غد, ملابس ابنك أو ملابسك, هناك أشياء تطلبها, أو لا تطلبها, لكنها موجودة لأسباب ما, لا تعرفها في الغالب, على مكتبك الآن مجموعة من الأوراق لا أكثر ولا أقل, ما تفكّر به داخل رأسك الآن لغة أرهقت خلايا مخك في تشكيلها, في حين كان من الممكن استغلال هذا المجهود في التفكير في أمور حقيقية, هذه أسماء وما يحدث حولك لا يد لك فيه, والعمر قصير والأزمة والحزن يلازمك منذ الميلاد, ما حدث أصبح من الماضي, والماضي لا وجود له, لا قيمة حقيقية له أبعد مما قد تحتفظ به الذاكرة في اللحظة الحالية, وذاكرة زميلنا المعاصر مُرعبة, يتجاهلها اختيارياً, لكن لا بأس من مضايقة زميل آخر بالسؤال, -آخر مرة كنت مبسوط فيها امتى؟-, الحياة مُرعبة, لو نظر إليها كائن فضائي من مركبته سيجدها نقطة سوداء باهتة, وسيقترب قليلاً, سيحاول إيجاد ألوان اخرى, قد يجد نقاط متناثرة أقل كآبة, ولكنه حينها سيكون اقترب أكثر من اللازم, وهكذا ستسحبه احدى الكائنات المرعبة سالفة الذكر, ليجد نفسه -في النهاية- خارجاً من كس امّه.

هناك تعليق واحد:

  1. مش هقولك انى فهمت الفكرة كلها ... بس حسيتك عموما :D

    ردحذف