الاثنين، 17 أكتوبر 2011

مفقود في الاعتياد [1]


تخيّل الآن أنك في غرفة صغيرة بها كل ما تحتاجه للمبيت, جالساً على كرسيك البلاستيكي وبيدك احدى الألعاب التي اقتنيتها عندما كنت صغيراً, فلتكن دمية أو كرة كفر أو... أياً كانت, شيء يجعلك تتذكر تلك الأيام, شيء يجعلك تغمض عيناك لثوان لتهز رأسك بشدة بعدها وتصفع جبهتك, الآن تخيّل معي ان أحداً ما متربعاً على السرير الذي أمامك, أياً كان هذا الشخص, فلتكن أول حبيبـ/ـة, أو أول صورة/بوستر استمنيت عليه, المهم أن يجعلك وجه هذا الشخص تشعر بالبرودة ليرتعش جلدك في ذات الوقت الذي ستحمر فيه وجنتاك لتتوقف عن التنفس للحظات, الآن يجب أن تدرك أن اللعبة التي بيدك لم تجعلك صغيراً مرة أخرى, وأن الشخص المتربع أمامك في الأرجح ليس على الحالة التي تراهـ/ـا بها الآن, في احدى أطراف الغرفة وعلى مكتبك الخشبي الصغير يوجد جهاز التسجيل الذي اعتدت سماعه حين كنت في المدرسة, أيضاً سترى بعض مجلات الكوميكس التي اعتدت أن تقرأها حينها, ستشغّل التسجيل وتضع شريط أغنياتك المفضلة, أيضاً بجوار المكتب وعلى كومودينو صغير يوجد تلفاز يعرض سلسلتك المفضلة, في يدك الأخرى الآن احدى الفواكه التي أحببتها بهوس, يجب أن أنبهك الآن أنك تحدّث الشخص المتربع على سريرك, لقد تحدثتم كثيراً, لكنك لم تكن تستمع, الآن استمع...

- اه, فهمت بقى؟ مفيش سلطات ولا رقابة
- بس الواحد احترم نفسه اليومين دول
- قصدك إيه؟
- يعني.... على الأقل عشان النظرة إياها دي في عيون الناس
- نظرة إيه؟
- مش عارف... يمكن عدم الراحة؟ وجودي مبيريحهمش
- طيب وانت مستريح؟
- مش عارف, معدتش عارف... يمكن بسببهم
 - طيب مش لازم تهتم
- كنت بقول كدة, بس يعني أنا مش عارف أفلت منهم, ورايا في كل حتة, وخايف أضيع عمري كله كدة
هل اخبرتك أن دميتي المفضلة كانت تيمون؟ كان تجسيمها جيداً, كانت لشخصية أعرفها, فقد كنت أشاهد السلسلة على التلفاز, وكنت أضحك أيضاً, كنت فخوراً بها لأني "كسبتها" مع بيضة شيكولاتة كيندر, كنت اعتدت أن أجد العديد من الأشياء في شيكولاتة كيندر, لكني لم أعرف ان ما أجده هذا "أكسبه" إلا حين أستبدلت غطاء احدى علب البيبسي بميدالية مفاتيح عليها صورة احد لاعبي الكرة, لم أفهم وقتها ما يعنيه والداي بـ"ـكسبت", لكني كنت سعيداً, فقد كانوا يبتسمون لي, كما ان الميدالية عليها صورة أحد لاعبي كرة القدم المشهورين, كان الكل متأهباً لكأس العالم القادمة في فرنسا, لكني فقدت الدمية في السنة الثانية من عودتي إلى مصر, كانت صغيرة حتى اني كنت أستطيع أن أخفيها في قبضة يدي الصغيرة حينها, ستقوم رولا بعد قليل من تربعها على السرير لتشغّل جهاز التسجيل, لا أدري كم من الوقت قضيته مستلقياً على أرضية الغرفة. 


قولي لي يا ليكسا, هل تعرفين انك اول من أثار اهتمامي بكم بهذه الطريقة؟.. أعني, أنت صنو سفينة أندروميدا البشري, لازلت أتذكر فلقتك الهولوجرامية,  لقد كنت أبتسم حين أشاهد سعاد حسني بالمصاصة في فيلم "صغيرة عالحب", لكن, انت أول من جعلني أتساءل ان كنتي عارية حقاً أمام هذه الكاميراً, كنت صغيراً حينها, أخبروني أن التعرّي عيب, لهذا طمئنت نفسي بأنك مجرد صنو سفينة, لا شيء يدعو للإحراج, لكني كنت غاضباً من المصوّر والمخرج, حسناً, نعرف الآن أنها عارية, لكن... لماذا لا نراها عارية؟ لا جديد, تباً لكم جميعاً.. أتسخرون مني؟... كنت أظنهم يسخرون مني يا ليكسا, كنت منزعجاً منك أيضاً, لكنى نسيتك... أتمنى ألا تحزني, فقد تذكرتك فيما بعد, عندما شاهدت فيلم No Alibi بعد صدفة عجيبة على أحد المواقع الاجتماعية, حيث كان علينا اختيار فيلم عشوائي من قائمة مرقّمة اعتمادا على رقمي الثواني في تاريخ رسالة المشاركة في الموضوع, لا أدري كيف حدث هذا لكن أرجوك لا تغضبي إذا اخبرتك انه القدر, شعرت ببعض الرضا حين رأيتك أخيراً في الفيلم, وكانت هذه نهاية مرحلة التساؤل عن ما يراه المصوّر حقاً خارج الاطار, لقد بدأتي التساؤول, ولم أرضى إلا حين أنهيتيه لي, قولي لي يا أليكسا, هل أخبروك أيضاً أنك لو قرأتي صورة الإخلاص عشرة مرات سيبني لك الله قصراً في الجنة؟ ماذا؟ لكن.. كنت أظن أنك تعرفين كل شيء.


هذه الأغنية طويلة, اعتدت الأغاني الطويلة, كان يحبها أبي وكنت أسمعها طوال اليوم, ربما كانت أقصر الأغاني تلك التي يغنيها كاظم الساهر, لكني كنت أستمتع بأغاني تترات المسلسلات المدبلجة من مركز الزهرة, كنت أشاهد العديد من مسلسلات الرسوم المتحركة, ربما لا أستطيع حصرهم, ماروكو الصغيرة, رامي الصياد الصغير, الرمية الملتهبة, سالي, مغامرات سنبل, داي الشجاع, النمر المقنع... إلخ, كنت أحب الغناء مع رشا رزق, ربما كان هذا أول ارتباط لي بصوت بشري, بالإضافة إلى صوت مذيعي الفترة الصباحية في البرنامج العام فيما بعد, لكن لا أعرف كيف تعلقت في ذهني أغاني نيرفانا وإيلز وبلور, لأتذكرها فيما بعد حين أستمع لهم مجدداً بعد أن عرفت اساميهم, حتى أغاني جورج مايكل مع فرقة وام, هناك أغنية واحدة بالتحديد أتذكرها جيداً, لأنها كانت الديمو ميلدي للبيانو الكيبورد الملقى في احدى أركان الغرفة الآن, اشتراه لي والدي وأنا في السادسة, سأكتشف جورج مايكل فيما بعد مرة أخرى, سأعرف انه شاذ أيضاً, ربما أتذكرهم لأني كنت أشاهد أفلام أجنبية أكثر من المعتاد.


أتدري؟ لقد مللت كل هذا, لا اريد أن أقضي بقية حياتي في تذكر هذه الأيام, لقد كنت ساذجاً حينها, لا أعرف كيف يتوقع الآباء أن يتحول أبنائهم بين ليلة وضحاها إلى أشخاص مسئولين إذا عاملوهم طوال حياتهم بابتسامة و"دح" و"كخ" و"لمّا تكبر" وأن "المرق لذيذ", لقد خدعونا, ربما تدرك الآن أنهم ضيّعوا عقدين من حياتك بعزلك عن الدنيا التي جائوا بك إليها, لكن ما يقلقني أني افتقد هذه الأيام, لماذا توقف الجميع عن خداعي؟ حينما كنت صغيراً كان يبتسم لي الجميع, كنت لا أفكر كثيراً ولا أتردد, لم يختلف الحال الآن, لكن كما أخبرتك, تغيّر كل شئ, أتذكر الآن ليلى مدرسة العربي في الابتدائية, كنت عائداً لتوي إلى مصر, كانت تسأل عن المقابل الفصيح للـ"مرجيحة", رفعت يدي, ثم قلت "أرجوحة", ابتسمت, وقبّلتني على وجنتي, لا أدري لماذا ابتسمت أو فعلت ما فعلت, لكنه كان كافياً لأتحول إلى كائن سعيد متسامح لبعض الوقت, ربما كانت طريقتي في نطقها تدعو للابتسام, حتى الآن اذا قابلتها بالصدفة تبتسم لي وربما تستوقفني لتسألني عن أحوالي, ربما لأنها تتذكرني حين كنت طفلاً, كثيرون في حياتي الآن لا يتذكرونني حين كنت طفلاً, ربما ستكون حياتي أفضل إذا تذكروا. 

هناك تعليق واحد:

  1. الصحيفة الصادقة17 نوفمبر 2011 في 11:26 ص

    و الله موضوع جميل
    http://www.alsadiqa.com

    ردحذف