الخميس، 25 أغسطس 2011

الغرفة 79

أنا الآن في فندق "اكستادي الجديد", في الغرفة 79 بالدور الثالث, غرفة صغيرة وظريفة, بين أصابعي سيجارة كليوباترا جولدن كينج كُتب على عُلبتها "احترس من التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة", توجد نافذة كبيرة جداً تكاد تقارب في طولها طول الغرفة نفسها, وعرضها هو عرض الغرفة, وأنا حالياً جالس على كرسي الغرفة الوحيد أشاهد المبنى المقابل بكل نوافذه المغلقة الرتيبة, تتكرر أشكالها على نمط واحد بطول المبنى وعرضه أيضاً... انتظر, هناك تميّز طفيف, يوجد تحت بعض النوافذ مكيّفات, والبعض الآخر اكتفى بطبق "دش".
لا يهم... فأنا الآن في أحسن حالاتي الذهنية, مستنداً على ظهري وقدماي على حافة الشبّاك, وهواء الصباح يغازل مابين ملابسي الداخلية وجلدي متعدد الألوان, فقد أُصبغت بعض أجزاءه بلون أسمر إلى الأبد, بفعل شمس هذه المدينة أو ربما مدن أخرى, لا يهم... سجارة الصباح مشاغبة لكنها ضرورية لمثل هذا اليوم... عيناي مرهقتان بعض الشئ كوني لم أنم جيداً, في الحقيقة لم أنم أصلاً, كانت ليلة الأمس ليلة طيبة...
المهم, أرى الآن على احدى جدران الغرفة رقماً غير واضح, يبدو انه رقم محمول احد نزلاء الغرفة السابقين, لا أدري ما الذي قد يدفعه لكتابة رقمه في هذا المكان بالذات, ربما يبحث عن اصدقاء, أو ربما كان أحد هؤلاء الحمقى الآملين في ان تلتقط رقمه احدى الفتايات, لا أظن ان نزل بهذه الغرفة انثى من قبل.

لا يهم... هناك بعض الحمَام المجتمع فوق أجهزة تكيف المبنى المقابل, أيضاً هناك ذلك الشخص المجهول الذي يحاول اصطيادهم, صوت بندقيته صاحبني منذ أن قدمت إلى الغرفة في الساعة الرابعة صباحاً, الساعة الآن السابعة والربع, سمعت صوت احدى الطلقات قريباً من نافذتي, يبدو انه وجد من قدماي المسندة على طرف الشباك هدفاً جديداً أكثر تسلية, أسحب رجلي بهدوء بعيداً عن النافذة وأستعيد موضع الجلوس التقليدي, رأسي مالت بتلقائية للخلف, هذه المرة بتشدد حتى أصبحت أرى الجدار خلفي, يبدو ان هناك مزيداً من أرقام المحمول على هذا الجدار أيضاً, ربما كانت استنتاجاتي السابقة عن غرض هذه الأرقام خاطئة, ربما أرادوا أن يُنشئوا نقابةً لنزلاء هذه الغرفة, جميل, يجب أن أتذكر أن اكتب رقمي أنا أيضاً حين أغادر.
المهم... هناك أيضاً "استيكر" لاصق على الدولاب المقابل, الاستيكر يبدو انه ينتمي لأوائل هذا القرن, يذكرني هذا باللبان الذي اعتدت ان اشتريه حين كنت صغيرا, كنت ألصق الاستيكرات التي أجدها فيه على أدراج مكتبي, حول مقبض المكتب تحديداً, كنوع من الحراسة الرمزية للمكتب وأدراجة, لم أكن أحب أن يفتش أحدٌ أدراجي, وقد كنت مصاباً بوسواس قهري يجعلني أغلق الأدراج بتأني حتى تتساوى مع بقية أجزاء المكتب, ربما لازلت أمتلك هذه العادة حتى الآن بعد أن زال الوسواس وزال القهر, كنت أعرف من خلال هذه الطريقة إن كان أحدهم فتح الأدراج, فقد كانوا دائماً يغلقوها بإهمال ليظل الدرج بارزا بعض الشئ بعد ارتكاب الجريمة.
لا يهم... هنا أيضاً "كومودينو" صغير بجوار المكتب الذي أُسند عليه احدى يداي الآن, به درج لا يُفتح, حاولت مرتين بلا جدوى, في الحقيقة لا يوجد لدي أي حاجة في فتحه, فكل أغراضي على المكتب والسرير الآن, لكني رغبت في تفتيشه, حسناً, إلى الدولاب اذا, فتحت الدولاب ولم أجد غير صفحتي جريدة استخدمها عمّال الفندق لتبطين أرضيته ربماً, ظنا منهم ان الجريدة كافية لتحمي الملابس من خبث الخشب.
لا يهم... أغلقت الدولاب واستدرت خلفي لأجد انعكاسا لي على مرآة بها شرخ عرضي, خط أولى نقاطه في أعلى شمال المرآه وآخره في أسفل يمينها, قصم الشرخ وجهي إلى نصفين غير متساويين كما فعل مع نظارتي التي هي على وجهي الآن طبعاً, هناك أيضاً لمضة أعلى المرآة, عبتث بالأزرار الثلاث الموجودة بجوار الباب ولكن لم يُنر أياً منهم اللمضة, ربما كان هذا مجازاً من اصحاب الفندق ان وجهي "منوّر" ولست بحاجة للمضة.
المهم... لطعتني السيجارة الآن, تحاول لفت انتباهي ربما فقد نسيتها كلياً, أخذت نفساً عميقاً أخير كقبلة وداع ثم رميتها في صندوق الزبالة الصغير القاطن بسكون بجوار الدولاب, يداعب وجهي نسيم هواء نظيف ربما أراد أن يغريني بعد أن وجدني رميت السيجارة, انظر في اتجاه الشباك وفي الطريق وقعت عيناي على ملابسي المفرودة بتأنّي على السرير, فردتها فور أن دخلت الغرفة أملاً في ان يجف عنها عرق أمس, أعتقد أنه لم يجف كليّةً رغم ان صوت مروحة السقف هذا الصباح أكد لي أنه أمر بسيط.
لا يهم... أعتقد ان كمبيوتري المحمول بحاجة إلى شحن, حان وقت النزول إلى الأصدقاء المؤقتين في قاعة الاستقبال, "كوبس" الغرفة فتحاتها صغيرة وترفض غِلظة "فيشة" الشاحن, إلى الأسفل إذا, المهم... نزلت على الأدراج لأن المصعد يرفض أن يتلقى أوامره من اعلى, فقط من هُم بالأسفل يستطيعون استدعائه, ولهم كل النفوذ على الأدوار العليا طبعاً, صديقي عامل الاستقبال ساعدني حين جئت صباح اليوم بأن وافق على وضع تليفوني المحمول في الشاحن, أومأت له الآن وها انا جالس على احدى المقاعد بجوار "كوبس" عاقل لا يقول "لا", عاملي الفندق كلهم الآن نيام, دخل شخص ما وسألني "أين الحمام؟", ارشدته إلى الحمام الموجود بالدور الثالث فهذا كل ما أعرفه, قد يكون هناك حمام في الطابق الأرضي, ولكني لا أعرف أين, عليه أن يتحمل عاقبة سؤالي اذا وليصعد الى الدور الثالث ليقضي حاجته, صعد بالمصعد ونزل دونه, لا يهم... سأسلم مفتاح الغرفة 79 الآن وسأبدأ يوماً جديدا في هذه المدينة.