الخميس، 24 مارس 2011

المشترك بين اللعبة والدين


كان موضوع تحدي تصميم الألعاب لهذا العام مثيرا للاهتمام ومختلفاً أيضاً عن الأعوام السابقة, عنوان التحدي "Bigger Than Jesus", أي "أعظم من المسيح", تلك المقولة المشهورة لـ John Lennon أحد أعضاء الـ Beatles والتي أثارت ضجة في الستينات وأثارت استياء بعض المتدينين أيضاً, اذا سمة التحدي هذه السنة كانت "الأديان", العلاقة بين الألعاب والأديان ليست بالمنقطعة جدا كما يبدو للوهلة الأولى, في الحقيقة إذا مافكّرت في الأمر ستجد المشترك بينهم كثير, الاثنان من اقدم مظاهر التفاعل الاجتماعي للبشر, الاثنان يعتمدان بشكل ما على بعض التكريس والاهتمام بالقواعد والحث على الالتزام بها, الاثنان يكافئانك "ولو نظرياً" على التزامك بالقواعد -الجنة مثلا في حالة الدين أو نقاط جديدة في حالة اللعبة-, في الحقيقة جاء موضوع هذا التحدي على هواي, فمنذ فترة وأنا أحاول أن "أنكش" العلاقة بين الاثنين خصوصا في جانب الزمن وميثلوجيا القدر في لعبة "الحد", لكن التحدي هذه المرة يريد أن تجعل من اللعبة نفسها دينا أو نشاطا اجتماعياً مشابها للدين ولا يشترط أن يكون محتوى اللعبة نفسه له علاقة بالأديان الموجودة أو ماشابه, كان المشاركين في هذا التحدي ثلاثة من أشهر مصممي الألعاب عرفتهم الصناعة وهم:

Jason Rohrer
مطور الألعاب المستقل والذي اصدر لعبة Passage التجريبية عام 2007 والتي من الممكن أن نقول أنها أسست لبدأ حركة الـ Art-games  في الصناعة, له تجارب آخري في محاولة نقل ألعاب الفيديو إلى مستوى أعلى من التواصل الاجتماعي وإسقاطات البعد الشخصي في الألعاب كان آخرها Sleep is Death.

John Romero
 الغني عن التعريف, مصمم لعبة Doom الشهيرة وصاحب أكبر فقاعة إعلامية وفشل تسويقي في تاريخ صناعة الألعاب بلعبته Daikatana, وصاحب أشهر شعار إعلامي ترويجي "John Romero's about to make you his bitch", أيضاً مؤسس شركة Ion Storm والتي ضمّت وقت انشاءها العديد من نجوم تطوير الألعاب من أمثال Warren Specter والذي أنتج Deus Ex قبل أن تتفكك الشركة بشكل كامل عام 2005

Jenova Chen
 مؤسس شركة thatgamecompany والتي أنتجت ألعاب ذات شهرة واسعة خصوصا على شبكات المنصات في السنين الآخيرة مثل Flow و Flower, الشركة لها توجّه ابداعي جديد يجعلها من الشركات الرائدة في مجال الـ Art-games, أيضا هو الفائز بتحدي السنة الفائتة الذي كان يدور حول محاكاة الموت الدائم كما هو في العالم الحقيقي Real-world permadeath -أي لا توجد فرصة ثانية إذا مت في اللعبة, هذه هي لن تتمكن من اللعب مرة أخرى-, جنوفا من الشخصيات الملهمة في مجال تصميم الألعاب.

قدّم كلا من الثلاثة تصميمه, بدأ جاسون روهر بمشروع Chain World, الفكرة تعتمد بشكل أساسي على الرغبة الفطرية لدي البشر في وضع تفسير لكل مايقابلهم من مظاهر أو ربما حتى أحداث أو حكايات تناقلوها عن بعضهم البعض, كلّ يضيف أو يغير طبقا لقريحته وفطرته, أقرب مثال لذلك هو ماحدث في السيّر الشعبية العربية مثلا وكيّف أن كل حكّاء أضاف شيئا أو غير شيئاً حتى أصبحت القصة شيئا آخر يقرب إلى الخرافة والأساطير منه إلى سيرة شخصية حقيقية كانت تتنفس هواء الأرض في يوم من الأيام, نفس القالب السابق ينطبق على الأديان أيضاً, تاريخيا الأديان نتجت عن تراكم للأفكار والتخيلات والتصورات لمجموعة من الأشخاص عن مواضيع معينة قد تهم هذه المجموعة من الناس في تلك الفترة المعينة, إذا ففكرة Chain World تعتمد بشكل أساسي على التوريث والتراكم, اللعبة في الحقيقة هي نسخة معدّلة من Minecraft, توجد على فلاش ميموري عادية جداً, هناك مجموعة من القواعد التي يجب اتّباعها لتحقق فكرة التوريث والتراكم, أولها مسموح لك باللعب مرّة واحدة فقط (مبدأ الـ permadeath) وعندما تموت في اللعبة عليك تسليم الفلاش ميموري لشخص آخر -يشترط أن يكون مهتماً بالتجربة- ليقوم بدوره هو الآخر وهكذا... أعجبتني الفكرة كثيراً وتبدوا أنها الأقرب فعلاً لتكوين مجتمع مكرّس حول هذه اللعبة من مهتمين بـ"وراثة" اللعبة لتسنح لهم الفرصة لاكتشاف مافعله الآخرون وربما تكون المتعة الأكبر هي في محاولة تفسير مافعله الأسبقون أو محاولة لترك رسالة لمن سيلعبها بعدك, المبدأ رائع جداً ويبدوا مبشرا, وكان أول لاعبي Chain World طبعا هو جاسور روهر وابنه, بعدها استلمها منه Jia Ji في الندوة ليحدث شئ مثير للاهتمام بعد ذلك, حيث قام Jia Ji بتحرّيف بعض القواعد في اللعبة -هههه, تشابه آخر مع الأديان- وأصبحت الفلاش ميموري فرصة للبيع في مزاد خيري, وبدلا من ان تسلّم باليد من لاعب لآخر مهتم أصبحت تباع في مزاد علني لمن يرغب, يمكنكم قراءة المزيد عمّا حدث بعد ذلك هنا:
http://bit.ly/eT7uPN

بعدها قدّم جون روميرو فكرته والتي لم تعجبني على الإطلاق صراحة, اللعبة مبنية على مبدأ العلاقة بين الرسل والتابعين, المسيح والأسباط, الفكرة في الحقيقة تافهة ولا تحقق الهدف منها, قام بتوزيع كروت على مجموعة من "الرسل" وعليهم أن يدعو أكبر كمية من الناس في الغرفة إليه عن طريق توزيع الكروت عليهم, وكل من في الغرفة حر في التحول إلى تباعة هذا أو ذاك وأحتى تمزيق الكروت كلها والبقاء بلا رسول, الفكرة هنا أن بعض الكروت موزّعه بطريقة عشوائية وبها علامة تدل عل حدوث معجزة, وبهذا فان الرسول الذي يحصل أتباعه على عدد أكبر من المعجزات هو الفائز ويصبح هو المسيح الجديد ليقوم بتوزيع رسل جدد وهكذا, الفكرة سطحية بشكل كبير وليست حتّى مسلية بأي شكل من الأشكال, ولكن ماذا تتوقع من مصمم كانت آخر ألعابه الجيدة في التسعينات؟!

والآن يأتي دور جينوفا شان, في الحقيقة هو لم يقدم لعبة أو مشروع بشكل عام بقدر ماكان اقتراح لفكرة غير مكتملة, الفكرة مبنية على الدين الذي يقدم قيم معيّنه للمجتمع أكثر ماهي مبنية على الهيكل أو الصورة التي يشكل بها الدين هذا المجتمع وعقليته, قارن في ذلك بين أديان الغرب -بالنسبة للصين نحن غرب أيضا :)- مثل اليهودية والمسيحية والاسلام وحتى الديانة المصرية القديمة, وبين الديانات الشرقية مثل البوذية وغيرها, فالأولى تركز في القيم الأخلاقية التي تحث عليها في صورة "الاله" الخالق المتجمع فيه كل تلك الصفات ليصبح هذا الرمز هو المالك الوحيد لها كلها وأصبح دور التابع في هذه المنظومة هو اتباع أوامر هذا الرمز, في حين ان الديانات الشرقية  تركز بشكل أساسي على القيّم التي يجب أن يعيش عليها الأتباع وماهي الطريقة التي يجب أن يعيش عليها هؤلاء "الأتباع", المبدأ هنا هو نشر الأفكار والقيم التي يحث عليها هذا الدين أو ذاك بدون تحديد منظومة معينة أوهيكل للمجتع الذي يجب أن يسير عليه أتباعه, وضرب بذلك مثال مايقوم به النظمون لـ TED ومايقومون به من نشر لأفكار بعينها أو مايشجعون على وجوده من روح لخلق أفكار جديدة وماشابه, يقول جينوفا أنه لا يزال يبحث عن طريقة لتحويل فكرة TED لشكل أنضج واقرب إلى الدين منه إلى نشاط اجتماعي, طبعا مشروعه لم يكتمل بعد, وأنا عن نفسي متفائل جدا بأي شئ قد يخرجه لنا هذا الرجل.

وفي النهاية طبعاً وكما قرر الجماهير انتصر Jason Rohrer على منافسيه وفاز بحرية اختيار هديته والتي كانت كتاب Dianetics أحد الكتب المشهورة لأتباع الـ Scientology ... هيه.

>  يمكنك مشاهدة الندوة في بداية التدوينة لو فاتتك. 


هناك 3 تعليقات:

  1. موضوع ممتع يا أحمد
    بعد التجول قليلاً في المدونة , مكنتش متخيل إن موضوع صناعة الألعاب بالعمق ده .
    إستمر !
    تحياتي

    ردحذف
  2. (تاريخيا الأديان نتجت عن تراكم للأفكار والتخيلات والتصورات لمجموعة من الأشخاص عن مواضيع معينة قد تهم هذه المجموعة من الناس في تلك الفترة المعينة),


    هل قمت بترجمة الموضوع أم أن هذه هي أفكارك ؟ وهل أنت مقتع بأن الفقرة السابقة صحيحة؟
    حسنا،ان كانت ترجمة فلا بأس ولكن يجب أن توضح المواضع التي قد تثير جدلا، ان كانت هذه أفكارك فيجب أن تكون دقيقا في تو ضيحها، ان كنت مقتنع بها فهذا شئ اخر

    ردحذف
  3. أصول الأديان لم تكن موضوع هذه التدوينة, والجملة التي أشرت إليه واضحة جداً الحقيقة, ربما كان المنظور غريبا بعض الشئ عن المتدينين ولكن لا أجد فيه مشكلة, هذه حقيقة, بمنظور علمي وأثري وبدون تخصيص أو تسليم بروايات وميثولوجيا الأديان, هكذا نشأت الديانات.

    ردحذف