الجمعة، 3 مايو 2013

خدٌ منفوخٌ كبديل ثدي

 Standing Nude Old Man
Oskar Kokoschka, 1907
لا أحد يعلم ما حدث للرجُل بعد ان مات، لكن يستطيع أي محقق متوسط الذكاء أن يؤكد لك أنه عَبَر، منذ ساعة تقريباً، أمام نافذة أحد سكّان البرج، في الدور التاسع والستين، حيث ترك شرائحاً ملتوية -كبقايا تقشير الخشب- على حافة النافذة، وإصبعاً مبتوراً، سيجده الساكن المسكين لاحقاً في فمه، أثناء نومه. في هذه الليلة -أو تحديداً في الفترة ما بين وصول الرجُل لمدخل البرج، دون أصابعه (وأشياء أخرى أقل أهمية) وابتلاع المسكين للإصبع- كان «أنونيمَس FakJ1Ffx» قد نجح في لفت انتباه زوّار قسم «العشوائيات /b/» على موقع «فور-تشان» لقصته، قصة «نص أخضر» أخرى.

>كن أنا
>15 سنة
>مدمن Meth


هناك احتمالات لا نهائية لعدد الاشكال التي اتخذها الرجُل أثناء سقوطه، الطريقة التي انطبع بها على الرصيف لا تخبرنا عن أبعد من ثواني قليلة قبل ارتطامه، ولا شئ عمّا حدث له بعدها، احتمالات لا نهائية أيضاً، إحداها أنه لم يغادر فور الارتطام، وأن من أغمض عينيه الآن حَكَم عليه بالعمى بقية فترة تماسك جسده. حقيقة: قضى الرجُل فترة طويلة (سنوات ربما؟) يحاول مسح أي أثر لوجوده، كان يعني هذا حرفياً، أي أثر «باق» لوجوده، ابتداءً من الحيز الذي يشغله اسمه في سجلّات الحكومة والجهات الأخرى، حتّى الإنشات الزائدة في اتساع كس-امه بعد ولادته.

>بحاجة للمال
>نادراً ما ذهبت للمدرسة
>سرقات متفرّقه من مول مجاور

فلنتفق أولاً أن مصداقية أي حكاية قد تسمعها عن الرجُل لن تختلف كثيراً عن مصداقية قصة «أنونيمَس FakJ1Ffx»؛ كونك معزولاً عنهما بنفس الدرجة، مثلاً: ماراً مرّة بأحد الشوارع الضيقة، سمع الرجُل صوتاً أعلاه يقترح أن صاحبه على وشك «التفاف»، «خخخخخخخخخــ...»، الآن. (بقليل من التخمين، الثواني الفاصلة بين بداية أول «خـ» و«توف» لن تكفي حيواناً من فصيلتنا للتفكير في «ماتتُفّش عليا يا بن الوسخة» مع تفادي «التفّة» في نفس الوقت -بعد التحديد اللازم لموقع صاحبها ومراوغتها-، -علاوة على افتراض أن صاحب «التفة» طفل صغير يلهو في شرفة منزله، (بقليل من التخمين مجدداً، من خصائص الأطفال التسرُّع وانعدام البصيرة)-)، على الرغم من تكرار الحكاية بين أوساط توافه المؤرخين مستقبلاً، إلا أن كل دراسات الـ«سايكوأناليسيس» تؤكّد ان الحادثة لم تترك أدنى أثر على حالته النفسية.

>كن صديقاً ل ديلر
>وصل أهلي خطاب من المدرسة
>مطرود، إقامة عدة شهور في شقة الديلر, نائماً في البانيو

مرّة أخرى، وعلى عكس اقتراحات الغائية، وجد الرجُل نفسه يسابق شخصاً عشوائياً تصادف تساوي اتجاه وسرعة سيرهما، في أحد الشوارع الأكثر ضيقاً، في البداية كان يسير بهدوء في شارع موازي له، مرتدياً سمّاعات الاذن بصعوبة، وفي باله أفكار، يجوز الإشارة لبعضها بنفس الطريقة التي قد نفهم منها أنه يتمنى لو كانت فتحتا أذنيه أضيق -تمرين التأكيد على وضع السمّاعة في الأذن بكلتا اليدين يصبح مملاً بسهولة بعد المرّة السادسة-، سيقرر بعدها أن ينحرف إلى أحد الشوارع الموازية القريبة؛ وهناك سيقابل منافسيه المؤقتين، يمكننا تقسيم مراحل تطوُّر السباق إلى ثلاث خطوات (الضيق من بطء من يسبقك في طابور المشي، المبادرة في تجاوزه، تزامن سرعة كلاكما في لحظة ما)، بدأت بمحاولة الاثنين تجاوز الآخر، وانتهت بسباق عدو بين خمسة أشخاص في شارع لا يتعدّى عرضه الثلاثة أمتار.

>آخر مائة جنيه (استرليني) معي
>لا أمل
>تذكرة اتجاه واحد إلى أحد الجزر السياحية القريبة

كان يحرص الرجُل على توضيح الفرق بين حياته كخراء مخبوز وحياته «الحقيقية» التي لم تبدأ بعد، على الرغم من مرور كل هذا الوقت، وقت كافي لارتخاء لغده من كثرة الشُرب، إلا أنه كان يحرص على انهاء جلساته مع أصدقاءه بتشبيهات كصخرة في قاع وأسماك كطيور البحر، وأن مكانه معهم، مع الأسماك والطيور، مغموراً وسط ذرّات دقيقة يتحسسها، يستطيع صعودها أو على الأقل الاستلقاء فيها، هذا إن توقف عن الشُرب مبكراً، أمّا حين يعبر العتبة، عتبة التذكّر الضبابي لسهرة الأمس، سيبدأ في التوسُّل لأصدقائه، بدايةً بهدوء متصوِّف لا يليق بمرحلة سُكره، يتحوُّل بعد تكرارين أو ثلاث إلى «تفقير»؛ أن يقتلوه، واحداً واحداُ، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، اقتلوهم، اقتلوهم، اقتلوه، اقتلوه، اقتلهو، اهقلتو، اتقلوه، القتوه، لوقتوه، هوقلتوه، هوه، هوه، هوه.

>الشاطئ في منتصف الليل
>مفلس تماماً
>نائماً تحت نخلة

حين يهدأ الرجُل لا ينام، يخبرهم أن لا أحداً غير بق الفراش ينتظره هناك، وكبديل عملي ينصرف كما ينصرفون وقت انتهاء السهرة، أحياناً قد يقترح على أحدهم أن يرافقه في الطريق، ربما يلعبا ايّا من ألعاب الشوارع، هذا إلى أن يتملّكه الاقتناع المؤقت بأنه أخطأ حين قرر البحث عن تجارب جديدة بدلاً من وظيفة، يمكننا القول أن الرجُل اجتماعي جدّا إلى أن يكرههم جميعاً، يغادرهم، يحتضن وحدته وبق الفراش مجدداً إلى أن يكرههم جميعاً أيضاً، وهكذا؛ هناك حالة فاصلة بين كل تحوُّل، لكن جدوى محاولة بيان أمور كهذه كجدوى محاولة لعق لسانك.

>الشاطئ في منتصف الليل
>مفلس تماماً
>نائماً تحت نخلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق