الجمعة، 30 نوفمبر 2012

الزخروبيح كنداء فراغ

زخروبيح مُبرر
الزخروبيح لفظ موضوع طبعاً، محاولة التقاط حالة متكررة يبدو اننا جميعاً نعاني منها، في عصر التشتيت، الكلمة نفسها نتاج للحالة -حرفياً؛ لفظة تلقائية خرجت أثناء انغماسي فيه-، يجوز تعريفها بطريقة مرتبكة/مراوغة؛ حالة تُقاد لها لا ارادياً وأنت في تمام وعيك، كالمسافة بين الاستيقاظ من النوم وادراك انّك حقاً مستيقظ، -المسافة بين نقطة افتراضية في باطن جفنك والرقم المطبوع الدال على الساعة-، أو بين لحظة كانت فيها يدك مشغولة بفعل تلقائي آلي جداً يمكن التعبير عنه بمعادلة خطّية تكرارية، وبين فعل آخر ماسح ملئ باحتقار ذات محيِّر، أحياناً يبقى "الزخروبيح" معك حتّى بعد الاستيقاظ وقطع المسافة، بالتأكيد تعرف أن الساعة العاشرة، لكن هذا أقصى ما يمكنك فعله وأنت في هذه الحالة، ستنسى انها العاشرة، ستحاول تفقّد الوقت بنفس تتابع المعادلة الخطية التكرارية، لكن بإضافة متغيّر عشوائي، تعرف جيداً أنك تضيّع الوقت وأنت تمارس فعل تافه للمرة [أدرِج رقم عشوائي هنا يدل على حالة ميؤوس منها]، كتصفّح موقع اجتماعي معيّن، الإيميل، فيلم رخيص أو حلقات مسلسل يداعب حواس بدائية، سلسلة كوميكس/مانجا جديدة، أمور لا مفر منها، بالتأكيد نحتاج لمداعبة حواسنا من وقت لآخر. الزخروبيح سيحملك عبر الزمن، لتتساءل كل ليلة أين ضاع يومها.

زخروبيح علني
إن كنت إنسان معاصر متناسق -نجح بطريقة ما في البقاء والاندماج مع المحيط- فدائماً هناك قائمة مرقّمة بأمور عليك فعلها كل يوم لتطابق الحد الأدنى من معايير الجودة الحياتية. من عيوب الالتحاق بوظيفة انّها تأتي بحامل وهمي يعفيك من تنظيم النصف الأول من يومك، ستذهب للعمل، تفاصيل العمل نفسه تُحفَظ في منطقة اخرى من التوقّعات، متعلّقة بتقييم مديرك أو أيّا كان الطرف الآخر المقيِّم،  يجوز نسخ الفكرة على طالب جامعي حريص مثلاً، كل التفاعلات مع المحيط الخارجي عموماً تتطلب هذا النوع من رمي الأحمال، في مقابل تنازلات في نطاق الصلاحيات والسيطرة، لكن حتّى هؤلاء لم يفلتوا من الزخروبيح.


زخروبيح حزين
مقابل للزخروبيح في لغات/ثقافات أخرى. الامر يُدرَس بشكل أو بآخر بطريقة علمية في فروع جادة كالنيوروبيولوجي، لكن سأعترف، -ولأنّي في هذه الحالة الآن، "فترة انتباهي" لن تساعدني في انتقاء كتاب أو البحث بتفصيل أكثر، فلنكتفي باللعب قليلاً هنا، مع أشياء لطيفة وروحانية، كأديان معيّنة، البوذية بالتحديد، لفت انتباهي تعريف احدى حلقات النيدانات الاثنى عشر، "التانها"، -ملحوظة: لست خبيراً في البوذية لذا الاعتذار واجب مقدّماً لكل الاخوة البوذيين على الاجتزاء المُخِل-، هي الحلقة التي تسبق "التعلّق"، كل حلقة مقسّمة بتحديد دقيق طبعاً، -كعادة أي تعاليم هدفها إيهامك بجدّية الأمر-، التعلّق مقسم لأربع أجزاء "تعلّق بالحواس"، "تعلّق بالأفكار"، "تعلّق بالممارسات"، "تعلّق بالذات"، الآن لا تهمنا حلقة "التعلّق" فهي النتيجة، إدمان بشكل أو بآخر، المقابل العلمي لها ربما هو الجهاز المسئول عن مكافئتك بإفراز "الدوبامين"، -نعم بالمناسبة, سعادتك مجرّد تفاعلات كميائية، نعم أيضاً البشر تمكّنوا من تخطّي الاعتماد على جهاز المكافئة الطبيعي هذا بتعاطي "المخدرات"-، سبب الادمان الأساسي، سبب الزخروبيح، الاثنان واحد، محاولة للحصول على دوبامين أكثر، محاولة للحصول على تجارب حسّية، فكرية، آلية، ذاتية سريعة، بهجة وصول إيميل جديد، قراءة خبر مُضحك، السرتنة للمرة السابعة خلال اليوم، كلّها أمور غير مُدرَجة في القائمة المرقّمة لمطابقة الحد الأدنى من الرضا/معايير الجودة الحياتية، إلخ إلخ إلخ.

"التانها" إذن، "العطش"، الرغبة المتسرعة في الحصول على مُتَع مؤقتة، من السهل الوقوع في هذه الحالة، جيلنا كلّه يعاني منها، تضعف دفاعاتنا مع وجود الانترنت والكمبيوتر، تُبقينا في ارتباك وحيرة، بلا مُنجَز أو أدنى فكرة في نهاية اليوم، أصبح من السهل السفر زمنياً عبر اليوم، لا أستطيع حتّى عد الأيام التي استيقظت فيها صباحاً لأجد نفسي فجأة في نهاية اليوم فقط لأنّي قررت تفقّد فيديو ما على اليوتيوب، بؤس حقيقي.

-تحذير: لا يُنصَح بالتالي لغير المصابين بالوسواس القهري-
دفاعاتي تنقسم لقسمين، بنفس آلية تحديد الأهداف والقوائم المرقّمة والتصنيف تبعاً للأولوية، أولهم لها علاقة بأمور حياتية عامة على المدى المتوسط، الأشياء التي تشغل حياتي في هذه الفترة، أو أمور قد أكون غير مهتم بها لدرجة النسيان ولكن أصبحت ضرورية للبقاء بطريقة ما، -لو سألتني عن السنة الدراسية وترددت قبل أن أجاوبك فتأكّد اني محتفظ بالمعلومة مكتوبة في مكان آمن على الأقل-، لهذا الجزء من حياتي استخدم "لغة نمذجة" مخصصة وخرائط/تخطيطات توضيحية، كوني مستقلّاً أيضاً يعني أن مشاريعي/عملي نفسه يندرج تحت هذا القسم، الدفاع الثاني تقليدي جداً ويعتمد على مجموعة من "النوتات" اللاصقة، الآن كلّها موجودة بصيغة رقمية، أمامي دائماً لتذكرّني بالمفترض إنجازه يومياً، القائمة المرقّمة لمطابقة معايير يوم يجوز وصفه بالناجح.

لكن في النهاية نداء الفراغ  غلّاب، تسحبنا لحظات المتعة الرخيصة، نتأبّط بعضنا مؤرجحين كؤوسنا، تمجيداً لحياة الصعاليك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق