السبت، 11 يونيو 2011

[رواية مسلسلة] وهكذا سقط! #1


قررت نشر الرواية التي أكتبها بصورة مسلسلة, كل يوم سبت سأنشر قطعتين من الرواية, أملاً في أن يساعدني هذا على الحفاظ على معدل ثابت للكتابة.
"وهكذا سقط" هو العنوان المؤقت للرواية التي أعمل عليها حالياً, الرواية تدور حول ثلاث شخصيات متفاوتة العمر في أزمنة مختلفة, هناك الشاب الذي ركب القطار ليقابل عجوزاً ثرثاراً به جذبة, ليحكي له عن حياة زميله ذاك أيام طفولته, أحاول في هذه الرواية استعراض جوانب إنسانية بحته دون الدخول في تفاصيل بيئة وعالم الرواية.
-0-
-  .... وهكذا سَقَط الرجل وما عكف عليه طيلة حياته... وماتا.
- هكذا؟!
- هكذا...
أخذ الرجل يمد في يديه وهو يحكي لي بحماس عن حياة هذا الذي مات ...

-1-
الطريق طويل وكان علي اختيار مكاني بعنايه, دائما ما أبحث عن الهرم العجوز, فهؤلاء يتعبون من الكلام سريعاً وقريباً ما سيتركونك تنعم ببعض الهدوء وربما بعض النوم ... جلست, وفورها بدأ الرجل في الكلام... لا يبدوا هذا مبشّراً
- دائماً ما كان هادئاً...
- عفواً؟!
تجاهلني العجوز واستمر في حديثه...
- في المدرسة يجلس وحيدا في الصف الأول جوار الشباك... ينظر دائماً للخارج... للسماء ربما أو للأرض... لم نكن لنعرف ... فقد كان دائما ما يضع رأسه بين يديه... أو بين كتفيه...
ثم سكت لثواني وارتسمت على وجهه ابتسامة ثقيلة وعيناه كأنهما تخترقاني... وكأنه لا يراني...
- لم نكن لنهتم... غالباً ما ننسى ونضع اسمّه في قائمة الغياب... لم نكن نلحظ وجوده... إلا حين يعاقبه مدرّسنا حين يراه ينظر خارجاّ.... لم نكن لنراه يترك مكانه إلا حين انتهاء اليوم الدراسي... حتّى في فترة الفسحة... كان بلا أصدقاء ربما... لم نكن لندري... لم نكن في دنياه... لم يكن في دنيانا...
بعدها توقف الرجل فجأة عن حديثه وبدا كأنه انتبه إلي... نظر إلّي بوجه جامد ثم قال:
- كان هدوءه دائما ما يثير اهتمامي... كنت صغيراً أيضاً كما ترى... لذا أريدك أن تعدني بشيء قبل أن أكمّل.
نظرت إليه باستغراب ولم أرد... أملاً في أن يسكت... ولكنّه استكمل حواره وكأنّه يحدّث شخصا خلفي...
- لا أذكر حتّى اسمه... لكنّي أذكر يوم أن ذهب إلى المدير ليشكينا... كنا نضربه كلّما سنحت لنا الفرصة... كنا نسرق كرّاسه... ربما لهذا السبب دائما ما يعاقبه الاستاذ... كم كانت أيام... نتقابل بعد صلاة العصر أنا وعصابتي -إن جاز لي تسميتها عصابة-... نرتمي على أطراف الترعة المجاورة للجامع ونرمي العربات السائرة على الطريق المقابل بالطوب... وأحياناً المشاة أيضاً... فقد كان الجسر بعيداً مسافة تكفينا لنهرب قبل أن يصل أحد إلينا من البر الآخر...
هنا قاطعته قائلاً بهدوء....
- بالله عليك يا أبانا... أنا متعب وأريد الراحة... والطريق طويل... اذا شئت احكّها لي في وقت آخر... الآن أريد أن أنام...
هنا نظر الرجل إليّ أخيراً.. ثم صرّخ فجأة في وجهي...
- انّها حياة... لن تكفيها إلا حياة مثلها لتحكيها...
يا ربّي.... لماذا اخترت مجذوباُ لجواري... أريد بعض الراحة... فسأسرقها بصعوبة إذا ما نزلت عن هذه القاطرة... أشغالي هناك لن ترحمني...
طبعاً المجذوب لا يكترث لي حتّى... بل لا يراني أساساً.... وكأنّه يكّلم خيالاً يجلس مكاني... وأنا أنظر إليه في ذهول...
والآن حين أنظر إليه... هذا الرجل تبدو فيه ملامح من أبي رحمة الله عليه... حسناً... كرماً للذكرى لن أرد على الرجل ولنرى متى سيتعب من هذيانه هذا...
-  نستحم فيها أيضاً... ونتصيّد الدود من على أطرافها... ثم نصطاد بصنارات صنعناها بأيدينا من الخوص وخيوط سرقناها من بكرات الطرزي... كانت الحياة بسيطة وكل يوم مغامرة... لم نكن نعلم أن كل هذا سيتغير... وستأتي أياماً نلعن فيه اليوم الذي ولدنا فيه...
عندها قهقه بصوت عالي ثم بصق من النافذة وكأنه انتهى لتوّه من شرب المعسّل... ثم استكمّل وهو يتحدّث بعنف وكأنّه في شجار...
- كنّا في كلّ هذا والصبي اللعين وحده لا نراه إلا في المدرسة... كنت أشفّق عليه...

-2-
طارت احدى الذبابات بالقرب من الرجل العجوز, كان حجمها كبيراً وليس اعتياديا, تابعتها بنظري حتى قادتني إلى الطرف الآخر من القاطرة, يا ربي على ما رأيته هناك... بفضل هذه الذبابة وقعت عيناي على أجمل الكائنات, فتاه رائعة الجمال وجهها يبعث الراحة إلى النفس, في يدها ملزمة, يبدو انها طالبة جامعية... ولكن لا توجد جامعات حيث ذاهبون, ظللت أتأملها فجأة إلى أن قاطعتني الذبابة مرة أخرى, هذه المرة وقفت على أنفي... عندها امتدت يد العجوز لتخطفها سريعاً, تعجبت من سرعته التي لا توافق سنه أبداً... حين مسكها صرخ قائلاً...
-لقد مات... أذكر تلك الذبابة, وقفت على جبهته بعد أن علقت قدماه في طنبور المياه... لم يتحرك حين دفعته, لم يقاوم... الأحمق لم يحاول حتى, فقط تركني أدفعه... ليس ذنبي.... ليس ذنبي...
كلام هذا العجوز عن الموت لا يطمئنني, حاولت البحث عن أي مكان آخر شاغر, لا يوجد غير الكرسي المقابل لتلك الفتاه... لكن, لا أمتلك الجرأة للذهاب إلى هناك... ماذا إذا ظنت أني أحاول مغازلتها... ماذا إذا تبعني هذا المجنون... هااااه, يبدو ان اليوم سيطول...
وأنا في تفكيري هذا رأيت العجوز يبتلع الذبابة ويمضغها, نظرت إليه متسمراً... هذا فوق الاحتمال, سأنادي الكمسري ربما يستطيع تخليصي من هذا المجذوب... قمت واتجهت إلى القاطرة الأمامية حيث يجلس, مررت على تلك الفتاه وأنا في طريقي, يا ربي تفوح منها رائحة تُذيب, ربما على التشجع قليلاً والجلوس قبالتها, لم يتبعني العجوز على أي حال... ولكني عبرتها الآن, لو رجعت فجأة سأبدو كالأحمق... حسنا فلنرى أين ذاك الكمسري...
عندما دخلت القاطرة الأولى عبرت ذبابة أخرى بجوار عيني, تبدو كالذبابة تلك التي أكلها العجوز... هاهاها, من الأفضل ألا تتبعني حيث العجوز وإلا لاقت نفس مصير صديقتها... حسنا ها هو الكمسري...
            -صباح الخير
            -صباح النور... آمرني؟!
            -يجلس قبالتي رجل مجنون... أقلق راحتي وحديثه غريب ودائم الصراخ, لا أستطيع النوم..
            -حسناً ارني أين تجلس...
وهكذا اقتدت الكمسري إلى مكاني, ولكن المفاجئة أن العجوز اختفى, سألت أحد الجالسين قربي عن مكانه فضحك وأومأ برأسه, اذاً اختفى العجوز... رائع, الآن أستطيع النوم بهدوء... اعتذرت للكمسري وشكرته, تركني وهو يخبط كفاً على كف... مر على الفتاه تلك وغمز لها, كم كنت أتمنى أن أكون بجرأة الكمسري, لكن الفتاة لم تلتفت حتى وأدارت وجهها في اشمئزاز... حسناً, ماعلينا... الآن إلى النوم...

هناك 3 تعليقات:

  1. ايه هدفك في الحياة ؟
    كيف تملء وقتك ويومك ؟
    ياريت تجاوبني

    ردحذف
  2. انت علقت على تدوينة تانية ليه مانا رديت عليك في الأولانيه؟!
    زي ماقلتلك ياسيدي لو عاوز تدردش ابعتلي ايميلك أسهل D:

    ردحذف
  3. أهو إيميلي
    seeyouinnight@gmail.com

    ردحذف