الأربعاء، 25 أبريل 2012

بصل زجاجي



دائماً تنتهي الحكاية كما يلي: خِدر خفيف في الشفاه, مزيج من العطش والجوع, وربما حالة من الشك في "انك عملتها على روحك" في حالة  ركوب السيارة.

رحلة إلى عالم مجاور حيث تطفو الأشياء, لا يوجد ما يمكن وصفه  بالحقيقي, مثلاً, لست متأكداً أني تحدثت للتو, بعد كل سؤال أو دردشة خفيفة يجب أن أسألهم: "هو احنا كنا بنتكلم ولا دي تهيؤات؟", حتّى السؤال يبدو كأنه يدور في رأسي فقط, لم أتحدث بعد, هل تأخّر الوقت؟

يختفي الزمن من المعادلة مع الشدّة الثانية, "هي دي بقى الغرقانة؟", الغرفة مليئة بغبار أصفر قاتم, يطفو بصورة غير منتظمة في جميع الاتجاهات, متى اكتسبت مهارة التخاطر؟ من المؤكد أنّي أشعر الآن أن فمي كان مغلقاً بإحكام حين سألت السؤال السابق, ولكن لسبب ما مجهول وجدته يرد علي بضحكة قصيرة وانحناءه رأس للتقرير "آه هي دي الغرقانه".

السبت، 21 أبريل 2012

فوائد مماطلة الذاكرة

عليك أولاً وقبل أن تقرأ التالي أن تضع في الاعتبار أنّي مقتنع تماماً أن "اللغة" فخ؛ إدراك البشر قاصر, لاعتمادنا على "العلامات" أو الألفاظ  -أيا كانت- التي قد نستخدمها لإقناع أنفسنا بأننا توصلنا للماهية "الحقيقية" "للموضوع قيّد الاختبار", والتي هي في الواقع مجرّد اتفاق ضمني على وصف يتوافق من ظروفنا نحن ككائنات بشرية, هذا بالإضافة لانحيازي بشكل كامل لصالح مقاربة العلوم الطبيعية والصورية في دراسة البشر, مقابل الخراء والاستمناء الذهني المتمثّل في العلوم الإنسانية/التحليلية -خصوصاً المبني منها على افتراض أن الإنسان كائن أكثر "عمقاً"-, إلا أنه ربما -ولو لمرة- أستطيع ممارسة القليل من التحليل والتنظير في نطاق ملكيتي الخاصة, -في هذه الحالة- ذاكرتي الشخصية, التفتيش في الذاكرة فعل مُرهِق جداً خصوصاً لشخص كان مصاباً باضطراب ADHD "قصور الانتباه وفرط الحركة" في طفولته, والذي لا زلت أعاني منه جزئياً في صورة خلل في "الذاكرة قصيرة المدى", لذا تبقى الكتابة -بالنسبة لي- الوسيلة الأسهل لترتيب الأفكار-- قرار تدوين هذه الأفكار هنا قد يكون محاولة مني لإيجاد دافع للاستمرار مقابل حالة الخمول التي أشعر بها الآن, كل هذا على حساب إظهار مدى هشاشتي لكم طبعاً. 

السبت، 7 أبريل 2012

... إلى أن توافق المهلبية على الرقص

ياترى كم من الوقت قد تحتاجه "لهطة القشطة" الجالسة قبالتي الآن لتتوقف عن التعامل مع الأمور بجدية؟... من حسن الحظ أن سماعات الأذن تعفيني من اتخاذ أي إجراء, توفّر لي الحالة القادرة على إستلابي من العالم المحيط, أو في رواية أخري "الإحترام", كما أن التخيّل لاحقاً يظل حل مثالي للمشاكل الأخرى, في الحقيقة ما يشغلني الآن هو أن القطار لم يتحرك بعد, وأنا عطشان؛ العلاقة؟ عليك أولاً أن تعترف بأن كل شئ جائز إذا توافرت الظروف المناسبة.
الفرضية: يعطش انسان معاصر في محيط ملئ بصنابير مياه. الظروف المناسبة: قطار لم يتحرك في موعده وقد يتحرك في أي لحظة.
------

"انت ليه لسه عايش لغاية دلوقتي يا حنّاوي؟"... يتبعها ضحكة قصيرة مُفتعلة لتخفيف الأجواء, "طب بلاش دي, العايشين لسه عايشين ليه يا حنّاوي؟"... التعميم يُفيد, لا حاجة لأخذ الأمور بشكل شخصي, الخازوق لا يمتلك الوعي الكافي للتفرقة بين الأطياز, الحنّاوي رؤوف يدرك هذه الحقيقة, ينظر إلىّ وتعبير جامد على وجهه: "أمك قرعة", الإفتعال عملية شاقه جداً وبلا أدني فائدة, كما أن السؤال لا يتوافق مع السياق, الحنّاوي رؤوف يدخّن البايب وينفعل سريعاً, يمتلك سيارة فخمة وعيادة خاصة, يرفع غطاء القاعدة قبل أن يتبوّل, ويمتلك مجموعة كبيرة من الملايات التي يغيّرها بشكل دوري, انسان متكامل ومحترم, في حالته الحياة بسيطة جداً وكل المطلوب هو ثقب بسيط طري ويتسع لإحدى أعضاء جسده كثيره المطالب...

الأحد، 4 مارس 2012

تفاصيل مابعد الواقعة أو: كيف تنتهي المشاريع؟

لاحظت مؤخراً أن الرغبة في الرقص والحركة تزداد باضطراد عنيف مع التوتّر, أستطيع رؤية الموجات الصوتية الصادرة عن الجيتار الالكتروني بوضوح, دوائر ثلاثية الأبعاد متداخلة تشبه حدود الفقاعات, فقط مع إضافة راقصة رشيقة لمركز الفقاعة, -الميعاد قرّب-, وقشر اليوسفندي يطفو حولي في دوامات تتصل نهاياتها بأطراف أصابعي, يتحرّك المؤشر على الشاشة بشكل تلقائي بمجرد النظر, أصابع يدي اليمنى متورّمه, يداي الاثنان مثبتتان تحت فخذي كمحور ارتكاز بجوار مفصل الكتف, -أنا بردان-, أركّز نظري في احدى جوانب الشاشة حيث زر الإرسال, -ضغطة-, ينثر جيتار الباس رذاذه ناحيتي من جميع الاتجاهات بتواتر عشوائي, رأسي تتمايل مع المؤشر بشكل متسارع في كل أنحاء الشاشة, يجب أن أضبط أبعاد الحوائط في المبنى وفقاً للمخطط, -مدير المشروع بيعرّص-, تصلني رسالة تلو الأخرى تخبرني كم أنا "سيء" أو "غير جيّد" في انجاز عملي على حد التعابير المشوّهة لغويا لمدير المشروع الهندي, تقترب جرايس سليك من أذني اليمنى وتخبرني بكلمات ذات لحن متقطّع, -لمّا تلااااقي الحقيقة..-, مضت أيام لم أرمش فيها إلا عند الحاجة لإعادة تشغيل النظام, تنقسم جرايس سليك كما الأميبا وحيدة الخلية بشكل تكراري يشبه أوراق زينه رمضان, تلتف حولي في كل الاتجاهات وتغنّي, -..كدب-.

السبت، 7 يناير 2012

في اللامبالاة والنوايا... واللعب

قليل من التشكيل...
أقضي أوقاتي الآن في حالة من الخمول والحذر, في نوع من البلادة الذهنية الغير مجدية, المصاحبة لحالة التوتر الموسمي لفترة الامتحانات, كل هذا على النقيض التام لواقع السنة الفائتة, بالتأكيد ستتفق معي انها سنة استثنائية, سواء كنت تعني بذلك الأحداث الكبيرة في مجملها أو كما أعني أنا بتفاصيل أفعال صغيرة منفصله, سنة غريبة فعلاً, بعيداً عن الاعتصامات والمظاهرات والكر والفر والرصاص والموت لم يتبقى إلا القليل لبعضنا ليعيش معظم التجارب التي كان يستهلكها في الكتب أو الأفلام أو الموسيقى أو الألعاب في نطاق حرارة المدفأة أو التكييف, أعتبر نفسي محظوظاً لأني عاصرت أفعال طبيعية وحقيقية جداً من قتل ودماء واصابات وقتال وغناء واستغاثة وفقدان..إلخ, قد يبدو لك كلامي هذا أنانية أو جبن, لست بحاجة للدفاع عن نفسي, لا يهمني كثيراً ما تقول, فقد رأيت اناساً تموت بين يدي وأصدقاء لم أودعهم إلى آخره مما قد يحكيه لك أياً ممن نالت منه أحداث السنة الفائتة, أذكر ان هيتشنز -والذي مات الشهر الماضي- قال في احدى لقاءاته انالفضول أول اسباب رغبته في البقاء حياً, بالإضافة للمشاركة أو التعبير أو الانتاج أو الابداع.. أو أيا كانت طريقتك في تسميتها, وعلاقتي بأي شيء حالياً لا تتعدى الفضول, كنت أقرا عن طبائع الناس والنفوس والثورات في فضول, وما حدث لم يكن أكثر من محفّز لمزيد من الفضول, ومزيد من الاشفاق والحزن, على كل العلوق والناس الطيبه, وما يبدو انه آت من شؤم ولحظات اضطهاد وجوع... لا يشغل بالي الآن إلا ما قد يتوجّب علي فعله وسط كل هذا.

السبت، 31 ديسمبر 2011

[لعبة] التعرّض


يبدو أن أحد أولياء الله الصالحين دعا لي أن أٌكمِل مشروعاً شخصياً واحداً على الأقل هذه السنة، حتى وإن كان قبل ساعة أو ساعتين من بدأ العام الجديد.
التعرّض لعبة قصيرة جداً أتممتها كمشاركة في (زنقة تاكو الألعاب) التي أٌقيمت في منتصف شهر ديسمبر، أنهيت نصف اللعبة في يومين والنصف الآخر في أيام متفرقة على امتداد هذا الأسبوع بمساعدة أحمد منير -إيفان- (يمكنك مشاهدة فيديو ملخّص يومي الزنقة وتسجيل تجوّل كامل للعبة بالأسفل)، اللعبة تجريبية، مجرد اختبار لجدوى بعض تقنيات الرواية في حدود التفاعل المتوفّر في الألعاب.
عاماً سعيداً للجميع.

الأحد، 11 ديسمبر 2011

المملكة المثالية


2 لـ"كورين شادمي"

لاحظت تواً أن ساعة يدي توقفت عن العمل, بالدليل, في الساعة الواحدة والنصف, إلا دقيقة... افترضت ان في هذه الدقيقة يقع عالمي المثالي, كنت قد ظننت أني تعافيت من هذا الهوس بالكمال, لكن بقيَت دقيقة لأتخيّل فيها كيف سيكون هذا العالم...

كبداية, من المؤكد أن الثواني الأولى لن أقضيها في تخيّل هيئة هذا العالم كما أفعل الآن, ومن المؤكد أني لن أتردد في التشكيك في حقيقة أياً مما ظهر من هيئته كما يبدو أني أفعل الآن, ومن المؤكد أيضاً أني لن أندم على الثواني الضائعه بعد أن أتأكد من أن ما تأكدت منه سابقاً لم يكن حقاً... مؤكداً, ومن المؤكد أنه لا مؤكد إلا في مملكتي المثالية تلك التي لم تأتي دقيقتها بعد, حينها ربمّا أدركت أنه يتوّجب علي الإكتفاء بالتخيّل...

ربما إذن, أتخيّل الجميّع متفهّمين, ليس الجميع ربما, فقط من حولي, المستعدين للعب, مبتسمون ربما, نمارس الأفعال بلا اعتراض, نرسم على الطرقات ربما أو نصنع الدمي, نتلاعب بالحبال أو نستريح قليل على الشاطئ, هواء نظيف أيضاً, ليس شرط, فقط لطيف, لا مانع من تجربة القليل من الأشياء الاعتيادية, القليل منها فقط, ربما حينها لن تكون كذلك, بدون الحاجة لمطاردة سكون الآخرين...

الأحد، 20 نوفمبر 2011

العلوق

الأهم الوجه
فكّرت في هؤلاء بلا داعي, وسألت مداعباً الصغير القابع في رأسي عن ما يتحدث عنه من لا يحدث في حياتهم شيء إذا اجتمعوا, بالطبع لم تتطلب الإجابة الكثير من التفكير, فهم حولنا في كل مكان, لو قدر لك أن تراهم أو الأسوأ -والمؤكد- أن تحادثهم أو تتعامل معهم فلا تتسامح, لا تبتسم.
اعتدت أن أطيل النظر بصمت ربما مع ابتسامة تجاهل, كنت أسمعهم يتحدثون في الدين, في السياسة, في الاقتصاد, في فضائح المشاهير, في كرة القدم. سيتقاذفون الأسماء في مشهد كوميدي, سيتعاملون مع الألفاظ بحرفية تامة وبتقديس غير مفهوم - حتّى لهم, بعضهم سيتّخذ مواقف معينة فقط من أجل لفت الانتباه, أو تأكيد ذاته الفارغة, سيحادثونك كثيراً, وستبتسم, وستكون الكلمات الختامية معاكسة تماماً لما خاطبك به حين لاحظك على الطرف الأخر من الطاولة, فقط طالما هناك مكان لرمي بعض الكلمات.
أصوات بلا جدوى, يشابه في أذني صوت أحد أقراننا من الحيوانات الأخرى, بالتأكيد هي أصوات تلك التي يصدرونها, لكنها لا تختلف كثيراً عن صوت عراك القطط في الخرابة المقابلة للقهوة التي قد نكون جالسين فيها, بعضهم سيطلق شعر ذقنه ليعظك ويحدثك عن الآخرة والجنة والحور العين الذين ستتمكن من فعل ما تشاء معهم بلا ملامة, سيجري ريقه حين يحدثك عن هذا النعيم وكأنها أقصى أحلامه القاصرة, سيتطاير هذا الريق عليك فيما بعد على شكل رذاذ حين تبتسم له وانت تفتح احدى كانات بيرة هاينكين, سيعظك, سيعظك ويهددك بسم الله, قد يتركك غاضباً, وحينها ستنعم ببعض الهدوء, لكن حينها سيأتي الآخرون, بعضهم سيطلق شعر رأسه, سيحدّثك عن الحياة وكيف أننا نعيش في بلد بنت وسخة, وسيبصق على الأرض مرتين قبل أن يُدخل مبسم الشيشة في فمه كقطعة اكسسوار جديدة تضاف إلى المهرجان الذي أحاط به نفسه, نفس أو نفسين لينهال عليك بعدها سيل من الأسماء والاصطلاحات, سيحادثك بلغة غرائبية وابتذال مطلق, ستبتسم له أيضاً, أو ربما تبادله بعض الحديث اذا سمح, وسيغادر, حينها ستجلس وحيداً بلا أدنى رغبة في فعل أي شيء.
يتقاتل العلوق وقدر آخر أقل علوقيه الآن, وأُناس تهتم, مات من مات وفقد آخرون أعينهم, يتوسط كل هؤلاء الزياط والهرولة, تحوّلت لحرب حقيقية, العلوق يحاصرونهم في كل مكان, وهناك آخرون, لا يهتمون, وآخرون ينتقمون فقط, هؤلاء لا يفكّرون في نتيجة, سيستغرقون أقل من ثانيتين للتفكير في الأمر, كما أفعل أنا حين يتوجّب علي التعامل مع العلوق, هم موجودون, وعليك التصرّف, عليك التعامل معهم, كنت أبتسم بلا مبالاة وأصمت إلى أن ينتهوا من خرائهم, لكن الأمور تغيّرت, أصبحت حرب, وهناك من يموت, لسبب ما, لسبب يستهويك, تنتابني الرغبة في فعل أي شيء, هذه المرة فقط, لا لهدف ما, حتى الدوافع هنا لا أهمية لها, فقد أخبرتك أني اكره الألفاظ المقدسة, ومعها الأهداف السامية, لا أصنّف الأمور بخيرها وشرها, لكن هذه المرة أستطيع أن أرى العلوق يتصرفون, ولا جديد في الأمر, إلا انها, كما أخبرتكم, أصبحت حرب, ربما كانت حرباً منذ بدأ الخليقة, لكني لم أهتم, اختلفت الأمور الآن لسبب أو لآخر, لا تتسامح, لا تبتسم, لا تهتم أيضاً لكن تصرّف, إذا تفاديت الجميع ستجد نفسك في ممر ضيّق, سيزداد ضيقا طالماً تكوّمت وابتسمت, إذا قررت إكمال السير هكذا فستنحشر عاجلاً أن آجلاً, قد لا يُجدي مد الأذرع, فالعلوق كثيرون ولهم الغلبة كما يحكي لنا التاريخ, أتدري؟ لا يهم أيّا من هذا, كل ما يهم أني أريد أن أُكمل لبعض الوقت, من المؤكد أن هناك ما يستحق الإكمال, ولكن لا مانع من بعض الانتقام, فهناك العلوق, هم موجودون, وعليك التصرّف.

الاثنين، 17 أكتوبر 2011

مفقود في الاعتياد [1]


تخيّل الآن أنك في غرفة صغيرة بها كل ما تحتاجه للمبيت, جالساً على كرسيك البلاستيكي وبيدك احدى الألعاب التي اقتنيتها عندما كنت صغيراً, فلتكن دمية أو كرة كفر أو... أياً كانت, شيء يجعلك تتذكر تلك الأيام, شيء يجعلك تغمض عيناك لثوان لتهز رأسك بشدة بعدها وتصفع جبهتك, الآن تخيّل معي ان أحداً ما متربعاً على السرير الذي أمامك, أياً كان هذا الشخص, فلتكن أول حبيبـ/ـة, أو أول صورة/بوستر استمنيت عليه, المهم أن يجعلك وجه هذا الشخص تشعر بالبرودة ليرتعش جلدك في ذات الوقت الذي ستحمر فيه وجنتاك لتتوقف عن التنفس للحظات, الآن يجب أن تدرك أن اللعبة التي بيدك لم تجعلك صغيراً مرة أخرى, وأن الشخص المتربع أمامك في الأرجح ليس على الحالة التي تراهـ/ـا بها الآن, في احدى أطراف الغرفة وعلى مكتبك الخشبي الصغير يوجد جهاز التسجيل الذي اعتدت سماعه حين كنت في المدرسة, أيضاً سترى بعض مجلات الكوميكس التي اعتدت أن تقرأها حينها, ستشغّل التسجيل وتضع شريط أغنياتك المفضلة, أيضاً بجوار المكتب وعلى كومودينو صغير يوجد تلفاز يعرض سلسلتك المفضلة, في يدك الأخرى الآن احدى الفواكه التي أحببتها بهوس, يجب أن أنبهك الآن أنك تحدّث الشخص المتربع على سريرك, لقد تحدثتم كثيراً, لكنك لم تكن تستمع, الآن استمع...

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

الزائر ‘ع‘ [#5]


(5)
الأُلفة


رأيت في طريقي إليك اليوم قطة, كانت جالسه على احدى الكراسي الملقاة على طرف الطريق, كان بجوارها ظل كبير حي يتحرك بتثاقل, ربما كان رجلاً عجوزاً, لست متأكداً, كانت جالسه بارتخاء تلعق ظهرها, لاحظتها لثواني قبل أن أمضي في طريقي إليك, بالتأكيد تعرف الأسطورة الشعبية حول القطط, أعني أن القط بسبع أرواح, وفي أقوال أخرى تسع, لا يهم العدد, فحياة القط لا تتعدى السبعة عشر عاماً, لكن أظن أن هذا القط لا يكترث بك, لديه أرواح كافية ليشعر بالملل منك, لو كنت قطاً لما اضطررت للتفكير في سعيد الآن, ذلك العجوز الشريد, أرسلته بيدي لدار المسنين وتكفّلت بنفقاته, أتدري؟ لا أشعر بأي رضاً عن نفسي الآن حين تخبرني بمصيره, ربما كان هو الظل المتحرك بجوار القطة, لم ألحظه, لن ألحظه بعد الآن بفضلك, لماذا اتيتني الآن؟ لازلت صغيراً كما ترى, لست كسعيد, سعيد كان كبيراً, عاش ورأى الكثير, أو هذا ما رأيته في تجاعيد وجهه, كنت أرغب في السفر حول العالم, أريد أن أجرب كل شيء, حياتنا قصيرة كما تعلم, لكن من الظلم أن تأتي الآن, لم أرتكب أي جريمة, أتدري؟ أنا أحقد عليك, فأنت لا تحتاج أي مبررات, وجودك نفسه لا مبرر له, كأي شيء في هذه الدنيا, نعم, لكنك لا تسمعني الآن حتى, يا ترى كيف كان سعيد حين قابلته؟ هل حكى لك قصته مع تحية وفريد أيضاً؟ كيف انه قابلها بالصدفة في احدى بارات القاهرة عام 36؟ لم أصدقه طبعاً, لا أظن انه كبير لهذه الدرجة, جدي أصغر منه, كنت أظن دائماً ان جدي أكبر الأحياء, لكن ما الذي أعرفه أنا عن الأحياء؟ لقد أثبتت لي اليوم أني كنت مخطئاً طوال الاثنين وعشرين سنة التي قضيتهم هنا, لا أمتلك قصصاً لأحكيها لك كما فعل سعيد, ربما كان يشعر سعيد بالسعادة وهو يحكي لكن عن تحية وفريد, ربما كان يختلق كل هذه القصص, فتحية هي بائعة الخضار في الشارع المقابل, وفريد فرّان في فرن المنطقة, لكنه يمتلك خيالاً واسعاً على الأقل, ليتخيل كل هذه الأحداث, أتدري؟ لقد صدقته, كانت عيناه صادقتان, كان جسمه يهتز كلما أخبرني عن تحية, كان يبتسم بهدوء حين يحدثني عن فريد, كان يخبرني أن أي شخص دونه مخطئ, كنت وحيداً, كان وحيداً حين قابلته أيضاً, أتدري؟ لقد حلمت كثيراً اني جثة متعفنة وسط الصحراء, وأن النسور تنتشل عيناي, لهذا لست حزيناً لوجودك معي الآن, كل ما اريده هو فرصة لأعيش حياة أفضل, هل ستخبرني ماذا سيحدث بعد أن تتركني؟ لست واثقاً, لهذا أنا خائف, دائماً أخاف مما لا أعرفه, أخبروني أن هذا شيء طبيعي, لكني كنت جباناً ايضاً, لهذا أحقد على القطط, فلديهم أرواح احتياطية, يمكنهم تجربة ما يشاؤون, إلى أن تتبقى روح واحدة, حينها سيجلسون كالقط الذي رأيته باكراً, ليلعقوا ظهورهم في انتظارك على الطريق, أظن أن لديهم الكثير ليحكوه لك أيضاً, لكني كنت خائفاً, لم يخبرني أحد أني أستطيع فعل كل هذه الأشياء, كنت أظن أنها موجودة فقط في الكتب والأفلام, لهذا ليس لدي الكثير لأحكيه لك مثل سعيد, لكن ربما سأخبرك بقصة متأكد أنك تعرفها, عن اثنين من مغنيي المفضلين, بادي هولي و ريتشي فالينز.