الخميس، 19 مايو 2011

لو كنت حيّاً

مر بعض الوقت دون أن أخرّف قليلا هنا, هذه التدوينة ستصلح الحال, من الامور التي تشغلني وتثير اهتمامي هو كيفية عمل المجتمعات, كيف انها "مصممة" بشكل ما لامتصاص المختلف وتحوليه لاعتيادي, كلنا جزء من هذا التصميم, لا أتحدث هنا عن الاختلاف "الاعتيادي" كاختلاف الاذواق أو الأراء, ليس هذا الاختلاف الذي أتحدث عنه, لأقرّب الموضوع أكثر سأعود للبداية قليلاً, منذ أن وُلدت وانت محدد بمصادر معينه تلقّمك نظرتها للحياة و"تربّيك" لتعرف "الصح" و "الخطأ", أمور تترسب في العقول ولا تفكر فيها أبداً بعد ذلك لتصبح من المسلّمات, هكذا تعمل المجتمعات, هكذا تعمل الأديان, الحياة أقصر من أن تختبرها كلها بنفسك أكيد ونحن في حاجة لهذا النوع من "مشاركة" التجارب والخبرات, لكن حين تختلط الامور وتكثر المسلمات تصبح الحياة ضبابية ويفقد الفرد فرصته في اكتشاف الحياة على طبيعتها, في بعض الأحيان أتخيل أحدهم في لحظات موته حين يدرك أنه عاش حياته للأسباب لم يفهمها حقاً وأنه ضيعها دون أن يفكر فيها.
لا أريد أن أعقّد الموضوع أكثر بالدخول في تيارات فلسفية كالعدمية والوجودية, ولكن دائما أتذكر رواية "الغريب" لألبير كامو وبطلها "ميرسول" حين أفكر فيما آلت له حياة الأفراد في هذا الزمن, كيف أصبحت العبثية التفسير المُرضي لتصرفاتنا, سأقتبس هذه على لسان "ميرسول":

"Nothing, nothing mattered, and I knew why, Throughout the whole absurd life I'd lived, a dark wind had been rising toward me from somewhere deep in my future, across years that were still to come, and as it passed, this wind leveled whatever was offered to me at the time, in years no more real than the ones I was living. What did other people’s deaths or a mother’s love matter to me; what did his God or the lives people choose or the fate they think they elect matter to me when we’re all elected by the same fate, me and billions of privileged people like him who also called themselves my brothers? Couldn’t he see, couldn’t he see that? Everybody was privileged. There were only privileged people. The others would all be condemned one day. And he would be condemned, too. What would it matter if he were accused of murder and then executed because he didn’t cry at his mother’s funeral? Salamano’s dog was worth just as much as his wife. "

نعود لموضوعنا إذاً, أجد العبثية التفسير الأقرب لما أراه من تصرفات الأفراد, كيف انهم يمارسون هذا الفعل الغريب الذي يدعى "النصح", كيف أنهم لا يرون الأمور على طبيعتها, كيف أن كل منا يعيش خلف قناع كرّس حياته كلها لتزينه وتجميله ليرضي المجتمع ومن حوله, يهتم جداً بصورته, بنظره الآخرين له, حتى كاد يلغي نفسه, حتى أصبح عدم, حتى أضاع حياته, ليرضي آخرين لا يكترثون له كفرد, لا يدركون وجوده, مشغولون هم أيضاً بنظره الآخرين لهم, هكذا حافظت المجتمعات على شخصيتها, هكذا حافظت الأديان على وجودها, فور أن يخرج أحدهم عن هذا النطاق, فور أن يبدأ بالاهتمام بحياته حقاً والتسائل والشك في مايراه, يتحول المجتمع كله لآله نصح وإرشاد, وعقاب ونبذ,  تلك اللحظات التي يظن فيها الناصح أن السر الإلهي مكشوف له, أنه أخيراً في موقف يتيح له أن "يظهر" بالشكل الذي يرضيه, كله خداع وزيف, كله فارغ بلا معنى, وفي النهاية تضيع حياتك بلا سبب, بلا هدف, منذ أن رفستك قوى الطبيعة إلى الأرض وأنت تعيش لإرضاء الآخرين, عالمك وانت صغير اقتصر على والديك مثلاً, من المفترض انك تكتشف العالم في هذه المرحلة, أن تعرف "الصح" و"الخطأ", منذ ميلادك وأنت عرضة للتلاعب, في تلك الفترة ستكون بكل بساطة نتاج لتلك البيئة, ستحاول أن تجتهد في المدرسة, سيكون التفوق وتحصيل الدرجات هو همّك كون هذا الشئ يسعد والديك, هم مجتمعك وكل ماتعرف في تلك الفترة ولهذا فستستميت لإرضائهم, بلا سبب, بلا هدف تعرفه أنت, فقط كون هذا الأمر يُسعد والديك, وحين تكبر, لا يختلف الأمر كثيراً, فقط يتسع نطاق مجتمعك ليصبح كل من تعرف ولا تعرف, وهكذا تقضي بقية عمرك, يبدو انها من طبائع البشر, الرغبة في ارضاء الآخر, هذا مايثير ضحكي دائماً, هذا مايجعلني أبدوا عابثاً للبعض, أجاريهم في بعض الأحيان, أملأ آذانهم ببعض الكلام الفارغ ليرضيهم, ولكن عندها أكتشف مدى زيف المجتمعات البشرية, مدى زيف العلاقات والروابط بين الأفراد, كونها مبنيه على فراغ بلا معنى, على رغبات غير مفهومة ومصالح لا نهاية لها.
أعطانا المجتمع والدين تفاسير وأسباب مسبقة لحياة كل فرد فينا, تلقّاها معظمنا كمسلمات, هنا الاختلاف الذي تحدثت عنه في أول التدوينة, هناك من رفض هذه الأجوبة السريعة, لم ترضيه, يفزع المجتمع لهؤلاء, يستغربون حين يتسائل هؤلاء عن طبيعة "الخير" تلك التي وصفها لهم المجتمع؟! مالفرق بين قتل الآدمي وقتل حيوان آخر مثلا؟! ليشعرك الدين ببعض الراحة والرضا أخبرك ان كل المخلوقات مسخّرة لك, مافائدة الزواج أصلا ومالفرق؟! مالفرق بين الغني الفقير؟! قسّم المجتمع البشر لطبقات وأصبح كل فرد فيه يتبنى تلك النظرة, لم يعد يرى الانسان الأمور على طبيعتها.
في الحقيقة لا يشغلني الأمر كثيراً, ولكن دائما عندما أقع في فخ الحوار مع أحد "الناصحين" أتذكر كيف ان الحياة قيمتها الحقيقية في سعادة الفرد مهما كان مغيّباً, لكن يبدو أني سأشقى في حياتي بسبب هذا المجتمع حتى لو بدوت لهم عابثاً وسعيداً.